الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم شرع في بيان الإقرار بالمجهول فقال ( ويصح ) ( الإقرار بالمجهول ) إجماعا ابتداء كان أو جوابا لدعوى لأنه إخبار عن حق سابق فيقع مجملا ومفصلا ، وأراد به ما يعم المبهم كأحد العبدين كما ألحقه به السبكي ( فإذا ) ( قال ) ما يدعيه زيد في تركتي فهو في حق عينه الوارث أو ( له علي شيء قبل تفسيره بكل ما يتمول وإن قل ) كفلس لصدق اسم الشيء عليه ، فلو امتنع من التفسير أو نوزع فيه فسيأتي قريبا .

                                                                                                                            وضابط المتمول كما قاله الإمام ما يسد مسدا أو يقع موقعا يحصل به جلب نفع أو دفع ضرر ، وتنظير الأذرعي مردود بأن المراد بالأول ما له في العرف قيمة ولو قلت جدا كفلس .

                                                                                                                            والحاصل أن كل متمول مال ولا ينعكس كحبة بر وقولهم في البيع لا يعد مالا . أي متمولا ( ولو فسره بما لا يتمول ) أي لا يتخذ مالا ( لكنه من جنسه كحبة حنطة أو بما يحل اقتناؤه ككلب معلم ) لحراسة أو صيد وقشرة نحو لوز وميتة لمضطر كما قاله الإمام خلافا للقاضي ( وسرجين ) وهو الزبل ، وكذا بكل نجس يقتنى كجلد ميتة يطهر بالدباغ وخمر محترمة ( قبل ) كما لو فسره بحق شفعة وحد قذف الوديعة ( في الأصح ) لصدق ما ذكر على هذه الأمور ويحرم أخذه ويجب رده ، والثاني لا يقبل فيهما لأن الأول لا قيمة له فلا يصح التزامه بكلمة علي والثاني ليس بمال ، وظاهر الإقرار المال وخرج بعلي في ذمته فلا يقبل فيه بنحو حبة حنطة وكلب قطعا لأنه لا يثبت فيها ، ولو قال لزيد هذه الدار وما فيها صح واستحق جميع ما فيها وقت الإقرار ، فإن اختلفا في شيء أهو بها وقته صدق المقر وعلى المقر له البينة أخذا من قول الروضة لو أقر له بجميع ما في يده أو ما ينسب إليه صح وصدق [ ص: 87 ] إذا تنازعا في شيء أكان بيده حينئذ ، وقضيته أنه لو اختلف وارث المقر والمقر له صدق وارث المقر لأنه خليفة مورثه فيحلف على نفي العلم بوجود ذلك فيها حالة الإقرار ونحو ذلك ، ولا يقنع منه بحلفه أنه لا يستحق فيها شيئا ، وبه أفتى ابن الصلاح ، وهو أوجه من قول القاضي يصدق المقر له ، قال ابن الصلاح : ولو كان للمقر زوجة ساكنة معه في الدار قبل قولها في نصف الأعيان بيمينها لأن اليد لها معه على جميع ما فيها صلح لأحدهما فقط أو لكليهما .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويصح الإقرار بالمجهول ) أي لأي شخص كان ( قوله : فهو في حق عينه ) أي صح وإن لم يذكر المقر له شيئا وعينه الوارث ومع ذلك فهو مشكل لأنه فوض أمر المقر به للمقر له دون الوارث فكيف يرجع لتعيينه .

                                                                                                                            وقد يجاب بأن ما ذكره إقرار منه حالا لكن المقر به مجهول ، فلما لم تتوقف صحة الإقرار على تعيين المقر له رجع لتعيين الوارث ( قوله : فسيأتي قريبا ) أي في قول المصنف في الفصل الآتي ومتى أقر بمبهم إلخ ( قوله : بأن المراد بالأول ) هو قوله ما يسد إلخ ، والثاني هو قوله أو يقع إلخ لكن في حج التعبير بالواو وعليها فهو عطف تفسير وأن المراد بالأول ما يحصل به نفع ( قوله : أي متمولا ) يمكن أن لا يحتاج لذلك إلا لو قالوا : ليست مالا فليتأمل ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ووجهه أن قولهم لا يعد مالا نفي لإعداده : أي تسميته في العرف مالا ، وعدم التسمية في العرف لا ينافي أنه مال في نفس الأمر وإن لم يسم به لحقارته ( قوله : يظهر بالدباغ ) هذا يخرج المغلظ فلا يحل اقتناؤه ، وقد يتوقف فيه بما في اللباس من أنه يحل جعله غشاء لنحو الكلب ( قوله : لأنه لا يثبت فيها ) يمكن أن يصور ثبوت نحو الحبة بما لو أتلف له حبات متمولة كمائة معلومة الأعيان لهما ثم أبرأه المالك مما عدا حبة معينة فإن الظاهر بقاؤها في ذمته ، إلا أن يقال : مثل هذا نادر فلا اعتبار به ا هـ سم على حج ( قوله : صدق المقر ) أي حيث لا بينة ( قوله : أو ما ينسب إليه ) [ ص: 87 ] عبارة حج عن الأنوار أنه لو قال جميع ما عرف لي لفلان صح ( قوله : وبه أفتى ابن الصلاح ) في حج ، وبه أفتى ابن الصباغ ، وفي نسخة منه : ابن الصلاح ( قوله : ولو كان للمقر زوجة ساكنة معه ) أي فلو كان الساكن معه أكثر من زوجة جعل في أيديهم بعدد الرءوس ( قوله : في نصف الأعيان ) أي التي في الدار ، بخلاف ما في يدها كخلخال ونحوه فإنها تختص به لانفرادها باليد ، وسواء كان ملبوسا لها وقت المنازعة أو لا حيث علم أنها تتصرف فيه ، وعبارة الدميري في النفقات .

                                                                                                                            [ تنبيه ] قال الشافعي رضي الله عنه : إذا اختلف الزوجان في متاع البيت فمن أقام البينة على شيء من ذلك فهو له ، ومن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه أن هذا المتاع في أيديهما معا فيحلف كل منهما لصاحبه على دعواه ، فإن حلفا جميعا فهو بينهما نصفين ، وإن حلف أحدهما دون الآخر قضي للحالف ، وسواء اختلفا مع دوام النكاح أم بعد التفرق ، واختلاف ورثتهما كهما ، وكذلك أحدهما ووارث الآخر ، وسواء ما يصلح للزوج كالسيف والمنطقة أو للزوجة كالحلي والغزل أو لهما كالدراهم والدنانير ، ولا يصلح لهما كالمصحف وهما أميان والنبل وتاج الملوك وهما عاميان .

                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان في يدهما حسا فهو لهما ، وإن كان في يدها حكما فما يصلح للرجال للزوج أو لها فلها ، والذي يصلح لهما فلهما ، وعند أحمد ومالك قريب من ذلك .

                                                                                                                            واحتج الشافعي بأن الرجل قد يملك متاع المرأة والمرأة تملك متاع الرجل ، إذ لو استعملت الظنون لحكم في دباغ وعطار تداعيا عطرا ودباغا في أيديهما أن يكون لكل ما يصلح له ، وفيما إذا تنازع موسر ومعسر في لؤلؤ أن يجعل للموسر ولا يجوز الحكم بالظنون ا هـ .

                                                                                                                            وينبغي أن مما يقتضي الحكم لأحدهما بيده معرفته به قبل التنازع كملبوس الرجل الذي يشاهد عليه في أوقات انتفاعه به ، ومعرفة المرأة بحلي تلبسه في بيتها وغيره ، لكن اتفق وقت التنازع أن الحلي والملبوس موضوعان في البيت فتستصحب اليد التي عرفت في كل منهما ( قوله : أو لكليهما ) أي أو لم يصلح لواحد منهما ا هـ سم على حج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 85 - 86 ] ( قوله : فيقع مجملا ومفصلا ) أي كما هو شأن سائر الإخبارات ، وعبارة شرح الروض : لأن الإقرار إخبار عن حق سابق والشيء يخبر عنه مفصلا تارة ومجملا أخرى ( قوله : كما ألحقه به السبكي ) المناسب لما قبله كما أدخله فيه السبكي ، فإن كان السبكي إنما ذكره على وجه الإلحاق فكان ينبغي أن يقول وإن جعله السبكي ملحقا به ( قوله : لصدق ما ذكر على هذه الأمور ويحرم أخذه ) عبارة التحفة ; لأنه شيء ويحرم أخذه ويجب رده [ ص: 87 ] قوله : ولا يقنع منه بحلفه أنه لا يستحق فيها ) أي في الدار : أي لأن قضية إقرار مورثه أن فيها شيئا فلم يقبل من وارثه ما ينافيه ( قوله : ولو كان للمقر زوجة إلخ ) سيأتي هذا في الدعاوى بأبسط مما هنا




                                                                                                                            الخدمات العلمية