الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( اشترى ) الوكيل ( جارية ) مثلا ( بعشرين ) هي تساويها فأكثر ( وزعم أن الموكل أمره ) بالشراء بها ( فقال ) الموكل ( بل ) إنما أذنت ( بعشرة ) وفي بعض النسخ في عشرة ( صدق الموكل بيمينه ) حيث لا بينة ( و ) حينئذ فإذا ( حلف الموكل ، فإن ) كان الوكيل قد ( اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد ) بأن قال : اشتريتها لفلان بهذا والمال له ( أو قال بعده ) أي الشراء بالعين الخالي عن تسمية الموكل ( اشتريته ) أي الموكل فيه ( لفلان والمال له وصدقه البائع ) فيما ذكره ، أو قامت به حجة ( فالبيع باطل ) في الصورتين لأنه ثبت بالتسمية والتصديق أو البينة أن المال والشراء لغير العاقد ، وثبت بيمين ذي المال عدم إذنه في الشراء بذلك القدر فيبطل الشراء وحينئذ فالجارية لبائعها وعليه رد ما أخذه للموكل ، وخرج بقوله بعين مال الموكل شراؤه في الذمة ففيه تفصيل يأتي البطلان في بعضه أيضا فلا يرد هنا وبقوله : والمال له ما لو اقتصر على شريته لفلان فلا يبطل البيع إذ من اشترى لغيره بمال نفسه ولم يصرح باسم الغير بل نواه يصح الشراء لنفسه وإن أذن له الغير في الشراء ( وإن كذبه ) البائع في الصورة الثانية بأن قال له : إنما [ ص: 58 ] اشتريت لنفسك والمال لك أو سكت عن المال كما هو ظاهر ولا بينة وقال له الوكيل أنت تعلم أني وكيل فقال : لا أعلم ذلك أو بأن قال له لست وكيلا ( وحلف ) البائع ( على نفي العلم بالوكالة ) وإنما فرقنا بين الصورتين بفرض الأولى في دعوى الوكيل عليه بما ذكر دون الثانية ; لأن الأولى لا تتضمن نفي فعل الغير ولا إثباته فتوقف الحلف على نفي العلم على ذكر الوكيل له ذلك ، والثانية تتضمن نفي توكيل غيره له وهذا لا يمكن الحلف عليه لأنه حلف على نفي العلم ، وبهذا التفصيل يندفع استشكال الإسنوي الحلف على نفي العلم الذي أطلقوه ، وقرر الشارح كلام المصنف بقوله الناشئة عن التوكيل مشيرا به لرد ما اعترض به على المصنف ، ووجه الرد أنه ليس المراد به الحلف على نفي توكيل مطلق ولا نفي علم مطلق بل نفي وكالة خاصة ناشئة عن توكيل فيستلزم أن المال لغيره ( و ) إذا حلف البائع كما ذكرناه ( وقع الشراء للوكيل ) ظاهرا فيستلم الثمن المعين للبائع ويغرم بدله للموكل ( وكذا إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل ) في العقد بأن نواه وقال بعده اشتريته له والمال له وكذبه البائع فيحلف كما مر ويقع شراؤها للوكيل ظاهرا ، فإن صدقه البائع بطل الشراء كما قاله القمولي .

                                                                                                                            وقول ابن الملقن : إن ظاهر كلام المصنف وغيره وقوع العقد للوكيل صرح بالسفارة أو لا صدقه البائع أو لا رده الأذرعي بأنه غير سديد ( وكذا إن سماه في العقد ) [ ص: 59 ] والشراء في الذمة أو بعد العقد والشراء بعين مال الموكل ( وكذبه البائع في الأصح ) أي في الوكالة بأن قال : سميته ولست وكيلا عنه وحلف كما ذكر يقع الشراء للوكيل ظاهرا وتسميته للموكل تلغو ، وكذا لو لم يصدقه ولم يكذبه فيسلم الثمن المعين للبائع ويغرم بدله للموكل ، وهذا الخلاف هو الذي قدمه بقوله وإن سماه فقال البائع : بعتك فقال اشتريت لفلان ( وإن ) اشترى في الذمة وسماه في العقد أو بعده كما جزم به القمولي وغيره و ( صدقه ) البائع فيما سماه أو قامت به حجة ( بطل الشراء ) لاتفاقهما على وقوع العقد للموكل وثبت كونه بغير إذنه بيمينه ، ولا يشكل هذا بما مر من وقوع العقد للوكيل إذا اشترى في الذمة على خلاف ما أمر به الوكيل وصرح بالسفارة لأن ما هناك محمول على ما إذا لم يصدقه البائع ( وحيث حكم بالشراء للوكيل ) مع قوله إنه للموكل ففيما إذا اشترى بالعين وكذبه بائعه إن صدق فالملك للموكل وإلا فللبائع فيستحب للحاكم الرفق بهما جميعا ليقول له البائع إن لم يكن موكلك أمرك بشرائها بعشرين فقد بعتكها بها فيقبل والموكل : إن كنت أمرتك بشرائها بعشرين فقد بعتكها بها فيقبل وفيما إذا اشترى في الذمة وسماه وكذبه البائع أو لم يسمه إن صدق الوكيل فهي للموكل وإلا فهي للوكيل فحينئذ ( يستحب للقاضي ) ومثله المحكم كما هو ظاهر بل وكل من قدر على ذلك من غيرهما ممن يظن من نفسه طاعة أمره لو أمر بذلك فيما يظهر ( أن يرفق بالموكل ) أي يتلطف به ( ليقول للوكيل إن كنت أمرتك ) بشرائها ( بعشرين فقد بعتكها بها ويقول هو : اشتريت ) وإنما ندب له ذلك ليتمكن الوكيل من التصرف فيها لاعتقاده أنها للموكل و ( لتحل له ) باطنا إن صدق في إذنه له بعشرين ، واغتفر التعليق المذكور بتقدير صدق الوكيل أو كذبه للضرورة على أنه تصريح بمقتضى العقد كما لو قال : إن كان ملكي فقد بعتكه وبعتك إن شئت ، ولو نجز البيع صح جزما ولا يكون إقرارا بما قاله الوكيل إذ إتيانه به امتثالا لأمر الحاكم للمصلحة .

                                                                                                                            فإن لم يجب البائع ولا الموكل لذلك أو لم يتلطف به أحد فإن صدق الوكيل فهو كظافر بغير جنس حقه لأنها للموكل باطنا فعليه للوكيل الثمن وهو ممتنع من أدائه فله بيعها وأخذ حقه من ثمنها ، وإن كذب لم يحل له التصرف فيها بشيء إن اشترى بعين مال الموكل لأنها للبائع لبطلان البيع باطنا فله بيعها من جهة الظفر لتعذر رجوعه على البائع بحلفه ، فإن كان في الذمة تصرف فيها بما شاء لأنها ملكه لوقوع الشراء له باطنا

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولو اشترى الوكيل إلخ ) من فروع تصديق الموكل وكان الأولى أن يقول : فلو اشترى إلخ ، ولعله إنما عبر بالواو لأنه ليس المقصود بذلك مجرد تصديق الموكل بل تفصيل ما يأتي بعده من بطلان العقد تارة ووقوعه للوكيل أخرى وهذا لا يتفرع على ما سبق ( قوله : وهي تساويها فأكثر ) أي أما إذا لم تساو العشرين فينبغي أن يقال : إن كان الشراء بعين مال الموكل فباطل وإلا وقع للوكيل ولا تحالف ، ولو تنازع الوكيل والمالك فقال الوكيل المال للموكل فالعقد باطل وقال البائع المال لك فالعقد صحيح ، فمقتضى قولهم إذا اختلفا في الصحة والفساد صدق مدعي الصحة أن يصدق البائع ( قوله : وزعم ) أي قال ( قوله : صدق الموكل بيمينه ) أي في أنه إنما وكله في الشراء بعشرة ( قوله : فإذا حلف ) وهل يكفي حلفه على أنه إنما أذن بعشرة أولا لما مر في التحالف أنه لا يكفي ذلك ، والجامع أن ادعاء الإذن بعشرين أو عشرة كادعاء البيع بعشرين أو عشرة إلا أن يفرق بأن الاختلاف هنا في صفة الإذن دون ما وقع العقد به ، ولا يستلزم ذكر نفي ولا إثبات وثم فيما وقع به العقد المستلزم أن كلا مدع ومدعى عليه وذلك يستلزمهما صريحا وهو الأقرب إلى كلامهم ا هـ حج . فيكون الأقرب الاكتفاء بالحلف على أنه إنما أذن في الشراء بعشرة ( قوله : والمال له ) ليس بقيد بل مثله ما لو سكت عن ذلك أو قال والمال لي أخذا من مفهوم قول الشارح الآتي إذ من اشترى لغيره بمال نفسه ولم يصرح باسم إلخ فإنه يقتضي أنه حيث صرح باسم غيره والمال له لا ينعقد بيعه لأنه فضولي ( قوله : أو قامت به حجة ) أي بينة ، ولعل مستند الحجة في الشهادة قرينة غلبت على ظنها ذلك لعلمها بأن المال الذي اشترى به لزيد وسمعت توكيله وإلا فمن أين تطلع على أنه اشتراه له مع احتمال أنه نوى نفسه

                                                                                                                            ( قوله : ولم يصرح باسم الغير ) أي فلو صرح به وقد ثبت بيمين الموكل عدم التوكيل في ذلك فهو شراء فضولي . لا يقال : هو هنا ما صرح باسم الموكل حيث قال : اشتريتها لفلان . لأنا نقول : هذه التسمية إنما وقعت بعد العقد كما يصرح به قوله في الثانية ، وأما العقد فلا تسمية فيه ( قوله : ويصح الشراء لنفسه ) يستثنى من ذلك ما لو اشترى لابنه الصغير [ ص: 58 ] بنيته فإنه يقع الشراء للابن كما مر ( قوله : أنت تعلم أني وكيل ) أي أو قال الوكيل : أنا وكيل أو نحوه وإن لم يقل : أنت تعلم أني وكيل ( قوله : الذي أطلقوه ) في الصورتين المذكورتين وهما قوله بأن قاله له إنما إلخ وقوله أو بأن قال له إلخ ( قوله : صدقه البائع ) أي في أنه نوى الموكل ( قوله : بطل الشراء ) وعليه فيمكن الفرق بين هذا وبين ما لو اشترى لغيره بمال نفسه وقد أذن له حيث لم تكف نيته بل لا بد من التصريح باسمه بأنه لما كان المال له تضمن ذلك الغرض الحكمي للآذن ، والغرض إنما يحصل بلفظ يدل عليه ، فاشترط التصريح بالاسم ليوجد ما يقوم مقام الصيغة ، وهذا أولى مما يأتي عنه أيضا لاشتماله على جهة الضعف فلا يعد تكرارا ( قوله : بأنه غير سديد ) وعليه فيفرق بينه وبين ما مر أنه لو اشترى بمال نفسه ونوى غيره وقد أذن له حيث يقع للوكيل ، ثم إنه لما كان الشراء [ ص: 59 ] بعين مال الوكيل ضعف انصرافه للموكل فلم تؤثر نيته ، وهنا لما كان الشراء في الذمة وقد نوى الموكل ولم يوجد ما يصرفه عنه للوكيل عمل بنيته وحكم بوقوعه للموكل وقد ثبت أنه لم يأذن فيه فأبطل ( قوله : والشراء بعين مال الموكل ) هذه قد تقدمت في قول المصنف وإن كذبه حلف على نفي العلم بالوكالة وإن كان الأولى إسقاطها

                                                                                                                            ( قوله : وحلف كما ذكر ) قضيته أنه لا يكفي الحلف في هذه على نفي العلم وقد تقدم في قوله وإنما فرق بين إلخ ما يقتضي خلافه

                                                                                                                            ( قوله : وثبت ) أي والحال ( قوله : والموكل ) عطف على البائع

                                                                                                                            ( قوله : امتثالا لأمر الحاكم ) وكالحاكم المحكم وكل من قدر على ذلك من غيرهما



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 57 ] قوله : وعليه رد ما أخذه للموكل ) قال الشهاب حج : ومحله إن لم يصدقه البائع على أنه وكيل بعشرين ، وإلا فهي باعترافه ملك للموكل فيأتي فيه التلطف الآتي ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : وبقوله والمال له ) أي : في الثانية كما صرح به حج ( قوله : أذن من اشترى لغيره بمال نفسه إلى آخره ) أي لأن الصورة أنه لم يسم الموكل في العقد ولم يذكر بعده إلا أنه اشتراه له [ ص: 58 ] بماله ( قوله : ولا بينة ) أي بالوكالة كما صرح به حج وكان ينبغي تأخيره عن الصورة الثانية كما صنع حج ( قوله : وهذا لا يمكن الحلف عليه ) أي بتا ( قوله ; لأنه حلف على نفي العلم ) أي ; لأن قاعدته الحلف على نفي العلم ; لأنه حلف على نفي فعل الغير ، وعبارة التحفة : وهذا لا يمكن الحلف عليه ; لأنه حلف على نفي فعل الغير فتعين الحلف فيه على نفي العلم فلعل في عبارة الشارح سقطا من الكتبة ( قوله : مشيرا به لرد ما اعترض به على المصنف إلخ ) كأن مراده اعتراض الإسنوي الذي من تتمة استشكاله السابق ، وعبارة الإسنوي في قول المصنف وإن كذبه حلف على نفي العلم بالوكالة ما نصه ، اعلم أن ما ذكره المصنف قد ذكره الرافعي في شرحه ، وفسر التكذيب بأن يقول إنما اشتريت لنفسك والمال لك ، وتبعه على ذلك في الروضة وفيه أمران : أحدهما : أن التكذيب المذكور ليس هو نفي علم حتى يحلف قائله على نفي العلم ، إلى أن قال : الثاني : أن مع هذا التفسير لا يستقيم الاقتصار في التحليف على نفي العلم بالوكالة بل القياس وجوب الحلف على نفي العلم بكون المال لغيره ، فإنه لو أنكر الوكالة ولكن اعترف بأن المال لغيره كان كافيا في إبطال البيع المقصود منه ا هـ .

                                                                                                                            وحينئذ ففي دفعه بما ذكره الشارح نظر ، والجواب عنه في شرح الروض فراجعه ، والظاهر أن الذي أراده الشارح الجلال بما ذكره إنما هو دفع الاعتراض الأول كأنه يقول إن الحلف على نفي الوكالة حلف على نفي فعل الغير في المعنى ; لأن نفيها يستلزم نفي التوكيل الناشئة هي عنه وهو فعل الغير ، على أن قول الشارح هنا ليس المراد به الحلف على نفي توكيل مطلق إلخ كلام لا يكاد يعقل فتأمل .

                                                                                                                            [ ص: 59 ] قوله : أو بعد العقد والشراء بعين مال الموكل ) لا حاجة له هنا ; لأنه تقدم آنفا . ( قوله : إذ إتيانه به امتثالا لأمر الحاكم للمصلحة ) ربما يقتضي أن يكون إقرارا إذا أتى به لا لأمر الحاكم فليراجع




                                                                                                                            الخدمات العلمية