الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فإن وقف ) على جهة فسيأتي أو ( على معين واحد أو جمع ) هو بمعنى قول أصله جماعة ، وحصول الجماعة باثنين كما مر في بابها اصطلاح يخص ذلك الباب لصحة الخبر به ، وحكم الاثنين يعلم من مقابلة الجمع بالواحد الصادق مجازا بقرينة المقابلة بالاثنين ( اشترط ) عدم المعصية وتعيينه كما أفاده قوله معين و ( إمكان تمليكه ) من الواقف في الخارج بأن يوجد خارجا متأهلا للملك لأن الوقف تمليك المنفعة ( فلا يصح ) الوقف على معدوم كعلى مسجد سيبنى ، أو على ولده ولا ولد له ، أو على فقراء أولاده وليس فيهم فقير ، أو على القراءة على رأس قبره أو قبر أبيه الحي .

                                                                                                                            فإن كان له ولد وفيهم فقير صح وصرف للحادث وجوده في الأولى أو فقره في الثانية لصحته على المعدوم تبعا كوقفته على ولدي ثم على ولد ولدي ولا ولد ولد له كعلى مسجد كذا وكل مسجد سيبنى في تلك المحلة ، وسيذكر في نحو الحربي ما يعلم منه أن الشرط بقاؤه فلا يرد [ ص: 365 ] عليه هنا إيهامه الصحة عليه لإمكان تمليكه ولا ( على ) أحد هذين ولا على عمارة المسجد إذا لم يبينه ، بخلاف داري على من أراد سكناها من المسلمين ولا على ميت ولا على ( جنين ) لأن الوقف تسليط في الحال بخلاف الوصية ، ولا يدخل أيضا في الوقف على أولاده إذ لا يسمى ولدا وإن كان تابعا لغيره .

                                                                                                                            نعم إن انفصل استحق معهم قطعا إلا أن يكون الواقف قد سمى الموجودين أو ذكر عددهم فلا يدخل كما أشار إليه الأذرعي وهو ظاهر ، ويدخل الحمل الحادث علوقه بعد الوقف ، فإذا انفصل استحق من غلة ما بعد انفصاله كما مر .

                                                                                                                            وأما إطلاق السبكي بحثا أنه لا يدخل فيصرف لغيره حتى ينفصل فمعترض بأن المتبادر أن الواقع من الريع يوقف لانفصاله وبنو زيد لا يشمل بناته ، بخلاف بني تميم لأنه اسم للقبيلة ( ولا على العبد ) ولو مدبرا أو أم ولد ( لنفسه ) لأنه غير أهل للملك .

                                                                                                                            نعم إن وقف على جهة قربة كخدمة مسجد أو رباط صح الوقف عليه لأن القصد تلك الجهة ، أما المبعض فالظاهر كما أفاده الشيخ أنه إن كانت مهايأة وصدر الوقف عليه يوم نوبته فكالحر ، أو يوم نوبة سيده فكالعبد وإن لم تكن مهايأة وزع على الرق والحرية ، وعلى هذا يحمل إطلاق ابن خيران صحة الوقف عليه .

                                                                                                                            قال الزركشي : فلو أراد مالك البعض أن يقف نصفه الرقيق على نصفه الحر فالظاهر الصحة كما لو أوصى به لنصفه الحر ، ويؤخذ من العلة أن الأوجه صحته على مكاتب غيره كتابة صحيحة لأنه يملك كما نقله في الروضة عن المتولي وإن نقل خلافه عن الشيخ أبي حامد ثم لم يقيد بالكتابة صرف له بعد العتق أيضا ، وإلا فهو منقطع الآخر فيبطل استحقاقه وينتقل الوقف إلى من بعده ، هذا إن لم يعجز وإلا بان بطلانه لكونه منقطع الأول فيرجع عليه بما أخذه من غلته ، أما [ ص: 366 ] مكاتب نفسه فلا يصح وقفه عليه كما لو وقف على نفسه كما جزم به الماوردي وغيره ، وهو نظير ما سيأتي في إعطاء الزكاة له ( فإن أطلق الوقف عليه فهو وقف على سيده ) كما لو وهب منه أو أوصى له ويقبل هو إن شرطناه وهو الأصح الآتي وإن نهاه ، سيده عنه دون السيد إن امتنع كما يأتي نظيره في الوصية

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو قبر أبيه الحي ) ووجه عدم الصحة فيه أن منقطع الأول ، قال حج هنا : على أنه يأتي تفصيل في مسألة القراءة : أي بعد قول المصنف ولو كان الوقف منقطع الأول إلخ ، وعبارته ثمة : ولو كان الوقف منقطع الأول كوقفته على من يقرأ على قبري أو قبر أبي وأبوه حي ، بخلاف وقفته الآن أو بعد موتي على من يقرأ على قبري بعد موتي فإنه وصية ، فإن خرج من الثلث أو أجيز وعرف قبره صح وإلا فلا [ ص: 365 ] قوله : الصحة عليه ) أي الحربي ( قوله : إذا لم يبينه ) أي المسجد ( قوله : أراد سكناها ) أي فإنه يصح ويعين من يسكن فيها ممن أراد السكنى حيث نازعوا الناظر على الوقف ( قوله : في الوقف على أولاده ) أي بخلاف نحو الذرية كما قاله في العباب كالروض وشرحه ، وكذا : أي يدخل في الذرية والنسل والعقب الحمل الحادث فتوقف حصته ا هـ .

                                                                                                                            والتقييد بالحادث الظاهر أنه ليس لإخراج الموجود حال الوقف ا هـ سم على حج وقوله فتوقف حصته يخالف قول الشارح الآتي فإن انفصل استحق من غلة ما بعد انفصاله ، إلا أن يقال : أراد بتوقف حصته عدم حرمانه إذا انفصل ( قوله : بعد الوقف ) زاد في نسخة : يعني أنه يصرف له بعد انفصاله ا هـ .

                                                                                                                            وهي شاملة لما حصل من الغلة في مدة كونه حملا ( قوله : فيصرف لغيره ) أي من المذكورين في الوقف ( قوله : بأن المتبادر إلخ ) هذا يخالف ما فهم من قوله فإن انفصل استحق من غلة ما بعد انفصاله فإنه كالصريح في أنه لا يوقف له شيء مدة الحمل فليتأمل ، وإذا قلنا يوقف لانفصاله فأي جزء من الغلة يوقف مع الجهل بعدد الحمل من كونه واحدا أو أكثر المؤدي إلى تعذر الصرف ، وقياس المعاملة بالإضرار في إرث الحمل أن توقف جميع الغلة حتى ينفصل وتقدم ما فيه ( قوله : أو أم ولد ) أي حال كونها رقيقة كما هو الفرض ، وأما ما في الروض من صحة وقفه على أمهات أولاده فصورته أن يقول : وقفت داري مثلا بعد موتي على أمهات أولادي ، أو يوصي بالوقف عليهن مثلا ( قوله : فكالحر ) ينبغي أن هذا التفصيل عند الإطلاق ، فإن عين الواقف شيئا أتبع حتى لو وقف في نوبة المبعض على سيده أو في نوبة السيد للعبد أو عند عدم المهايأة على أحدهما بعينه عمل به فليراجع . ( قوله : الأوجه صحته ) أي الوقف ( قوله : بما أخذه من غلته ) أي ثم إن كان ما قبضه من الغلة باقيا أخذ منه وإلا فهو في ذمته يطالب به بعد العتق واليسار [ ص: 366 ] قوله : فهو وقف على سيده ) أي فلو قصد بالوقف سيد العبد أو أطلق وقلنا بالمصلحة أو وقف على البهيمة وقصد مالكها أو على علفها ثم باع المالك للعبد أو البهيمة إياهما فهل يبقى الموقوف له أو ينتقل إلى المشتري ؟ فيه نظر ، وقد ذكروا في نظير ذلك في الوصية تفصيلا ولا يبعد مجيئه هنا فليراجع ويحتمل الفرق بين الوقف والوصية بأن الوقف ( قوله : كما يأتي نظيره في الوصية إلخ ) وعبارته في الوصية ما نصه : ولا يصح الوقف على بهيمة ولو أطلق أو وقف على علفها لعدم أهليتها للملك إلى أن قال : فإن قصد به مالكها فهو وقف عليه ا هـ سم على حج



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : في الخارج ) الأولى حذفه ولم يذكره حج [ ص: 365 ] قوله : لإمكان تمليكه ) علة للإيهام . ( قوله : فمعترض بأن المتبادر إلخ ) لا يخفى أن ما بحثه السبكي هو عين ما قدمه الشارح وحاصل الاعتراض يناقضه فليتأمل وليحرر . ( قوله : وينتقل الوقف إلى من بعده ) هذا لا يترتب على كونه [ ص: 366 ] منقطع الآخر كما يعلم مما يأتي ، ويعلم من هذا أنه متجوز بقوله فهو منقطع الآخر وكان الأولى حذفه والاقتصار على قوله فيبطل استحقاقه إلخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية