الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم شرع في الركن الثاني فقال ( ويشترط في المقر له ) تعيينه [ ص: 72 ] بحيث يمكن مطالبته كما يشير إليه قوله لحمل هند كعلي مال لأحد هؤلاء العشرة ، بخلاف لواحد من البلد علي ألف إلا إن كانوا محصورين فيما يظهر ، ولو قال واحد منهم : أنا المعني بذلك ولي عليك ألف صدق المقر بيمينه ولو أقر بعين لمجهول كعندي مال لا أعرف مالكه لواحد من أهل البلد نزع منه : أي نزع منه ناظر بيت المال لأنه إقرار بمال ضائع وهو لبيت المال ، والأوجه تقييد ذلك بما إذا لم يدع أو تقم قرينة على أنه لقطة و ( أهلية استحقاق المقر به ) حسا وشرعا إذ الإقرار بدونه كذب ( فلو قال ) : له علي الألف الذي في هذا الكيس وليس فيه شيء أو ( لهذه الدابة علي كذا ) وأطلق ( فلغو ) أي الإقرار لانتفاء أهلية استحقاقها لعدم قابليتها للملك حالا ومآلا ، ولا يتصور منها تعاطي السبب كبيع ونحوه بخلاف الرقيق كما سيأتي .

                                                                                                                            نعم لو أضافه إلى سبب ممكن كإقرار بمال من نحو وصية صح كما قاله الماوردي ، ومحل البطلان كما قاله الأذرعي في المملوكة ، أما الإقرار لخيل مسبلة فالأشبه فيه الصحة كالإقرار لغيره ، ويحمل على أنه من غلة وقف عليها أو وصية لها ، وبه صرح الروياني واقتضى كلامه أنه لا خلاف فيه ( فإن ) ( قال ) علي لهذه الدابة ( بسببها لمالكها ) كذا ( وجب ) لإمكانه بسبب [ ص: 73 ] جناية عليها أو استيفاء منفعتها بإجارة أو غصب ويحمل مالكها في كلامه على مالكها حال الإقرار لأنه الظاهر ، فإن أراد غيره قبل ولو لم يقل لمالكها لم يحكم بذلك لمالكها حالا بل يراجع ويعمل بتفسيره ، وليس فيه إبهام المقر له إنما ربط إقراره بمعين هو هذه الدابة فصار المقر له معلوما تبعا فاكتفى به ، بخلاف ما مر في رجل من أهل هذه البلد لأنها وإن عينت ليست سببا للاستحقاق فلم تصلح للاستتباع ، ولو أقر بعين أو دين لحربي ثم استرق أو بعد الرق وأسنده لحالة الحرابة كما هو ظاهر لم يكن المقر به لسيده : أي بل يوقف ، فإن عتق فله وإن مات قنا فهو فيء ( وإن ) ( قال لحمل هند كذا ) علي أو عندي ( بإرث ) من نحو أبيه ( أو وصية ) له مقبولة ( لزمه ) ذلك لإمكانه والخصم في ذلك ولي الحمل إذا وضع .

                                                                                                                            نعم إن انفصل لأكثر من أربع سنين من حين الاستحقاق مطلقا أو لستة أشهر فأكثر وهي فراش لم يستحق نظير ما يأتي في الوصية ، ثم إن استحقه بوصية . فله الكل ، أو بإرث من الأب وهو ذكر فكذلك ، أو أنثى فلها النصف ، وإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية وأثلاثا إن أسنده إلى إرث فإن اقتضت جهة ذلك التسوية كولدي أم سوي بينهما في الثلث ، وإن أطلق الإرث سألناه عن الجهة وعملنا بمقتضاها ، فإن تعذرت مراجعة المقر . قال في الروضة : فينبغي القطع بالتسوية .

                                                                                                                            قال الإسنوي : وهو متجه ( وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه ) كقوله باعني شيئا ( فلغو ) أي الإقرار للقطع [ ص: 74 ] بكذبه بذلك كذا في الروضة وقطع به في المحرر ، والذي في الشرحين فيه طريقان أصحهما للقطع بالصحة ، والثاني على القولين في تعقيب الإقرار بما يرفعه .

                                                                                                                            قال الأذرعي : وطريقة الترجيح جزم بها أكثر العراقيين ، وطريقة القطع بالصحة ذكرها المراوزة ، وما صححه النووي ممنوع ، ولم أر من قطع بإلغاء الإقرار وما عزاه للمحرر بناه على فهمه من قول المحرر وإن أسنده إلى جهة لا تمكن فهو لغو من أنه أراد فالإقرار لغو وليس مرادا بل مراده فالإسناد لغو بقرينة كلام الشرحين ا هـ .

                                                                                                                            وذكر مثله صاحب الأنوار والزركشي واستحسنه الشيخ ، هذا والمعتمد الأول ، ويوجه بأن قرينة حال المقر له ملغية للإقرار له ، وتقريره إنما يحسن عند الإطلاق دون التقييد بجهة مستحيلة ، بخلاف ألف من ثمن خمر فإنه لا قرينة في المقر له ملغية فعمل به وألغي المبطل ، وهذا معنى ظاهر يصح الاستمساك به في الفرق ، فتغليظ المصنف في فهمه ليس في محله ، وقول بعضهم ويمكن الجمع بينهما بحمل بطلان الإقرار على تقديم المنافي كله على ثمن ما باعه إلى ألف كنظيره في باعني خمرا بألف وحمل بطلان الإسناد فقط على تأخيره كله على ألف أقرضنيه كنظيره في له علي ألف من ثمن خمر غير صحيح لما فيه من تسليم كون اللاغي الإسناد لا الإقرار ، ومن المستحيل شرعا أن يقر لقن عقب عتقه بدين أو عين ، والأوجه تقييده بمن لم تعلم حرابته وملكه قبل لما مر فيه بخلاف من احتمل فيه ذلك ، وأن يثبت له دين بنحو صداق أو خلع أو جناية فيقر به لغيره عقب ثبوته لعدم احتمال جريان ناقل حينئذ ، ومن ذلك أيضا أن يقر عقب إرثه لآخر بما يخصه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كعلي مال ) مثال للتعيين ( قوله : فيما يظهر ) وظاهر أنه في هذه الحالة لا يقبضه الحاكم منه لأنه لا يقبض مال الغائبين في الذمم ، اللهم إلا أن يخشى عليه بحيث توجب المصلحة قبضه ، وفيه نظر فليتأمل .

                                                                                                                            وقوله منهم : أي من العشرة ، وقوله ناظر بيت المال الذي نقله شيخ الإسلام عن الروضة وأصلها : أن القاضي يتولى حفظه ا هـ سم على حج ( قوله : صدق المقر بيمينه ) أي أنه لم يرده بالإقرار ، وعبارة حج بعد ما ذكر : فإن كان قال : لأحدهم علي ألف فلكل الدعوى عليه وتحليفه ، فإن حلف لتسعة فهل تنحصر الألف في العاشر فيأخذه بلا يمين أو يحلف له أيضا لاحتمال كذبه في حلفه للذي قبله ؟ كل محتمل ، ثم رأيتهم قالوا في إن كان هذا الطائر غرابا فنسائي طوالق وإلا فعبدي حر وأشكل لو أنكر الحنث في يمين أحدهما كان اعترافا به في الآخر ، فقوله : لم أحنث في يمين العبد كقوله حنثت في يمين النسوة وعكسه وهذا ظاهر في ترجيح الأول ا هـ .

                                                                                                                            وهو كون العاشر يستحقه بلا يمين ( قوله : نزع منه ) قال في شرح الروض : فهو إقرار صحيح ، بخلاف ما يأتي قريبا من أنه لو قال : علي مال لرجل لا يكون إقرارا لفساد الصيغة ، ويحتمل أن يقال ما هنا في العين وما هناك في الدين كما يشير إليه كلامه كأصله ، ثم رأيت السبكي أجاب به ا هـ سم على حج ( قوله : وهو لبيت المال ) هذا ظاهر إن أيس من معرفة صاحبه ، ويقبل تفسيره بما يأتي فيما لو أقر بمبهم ثم فسره ( قوله : أو تقم قرينة ) فإن ادعى ذلك أو قامت عليه قرينة لم ينزع منه ( قوله : حسا وشرعا ) أي بأن لا يكذبه فيه الحس ولا الشرع ، وقول المصنف فلغو : أي لتكذيب الحس في مسألة الكيس والشرع في مسألة الدابة ( قوله : فالأشبه فيه الصحة ) معتمد ( قوله : فإن قال علي لهذه الدابة ) تقدير هذا مع قوله أي المتن [ ص: 73 ] بسببها لمالكها لا يخفى ما فيه من الحزازة ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : ومع ذلك فيمكن توجيهه بأن قوله لمالكها بدل من لهذه الدابة ( قوله : فإن أراد غيره ) أي كأن قال : أردت من انتقلت منه إلى من هي تحت يده الآن وإن طالت مدة كونها في ملك من هي تحت يده ( قوله : ولو لم يقل لمالكها ) بل قال علي بسبب هذه الدابة ( قوله : لمالكها حالا ) أي بل ولا لمالكها مطلقا لجواز أن تكون في يده بنحو إعارة أو غصب فأتلفت شيئا فهو مضمون عليه لمالكه لا لمالكها فيستفسر ويعمل بتفسيره ا هـ سم على حج عن شرح البهجة بالمعنى ( قوله : لأنها ) أي البلد وقوله ثم استرق أي الحربي ( قوله : فإن عتق فله ) وهذا إذا كان المدين المقر مسلما ، فإن كان حربيا سقط المدين باسترقاق الدائن لما ذكروا في السير أن المتداينين الحربيين يسقط الدين باسترقاق أحدهما ا هـ سم على حج ( قوله : مطلقا ) أي سواء كانت فراشا أو لا ( قوله : فكذلك ) أي فله الكل حيث كان مستغرقا ( قوله : فإن اقتضت جهة ذلك ) أي الإرث ( قوله : فإن تعذرت مراجعة المقر ) أو روجع ولم يتفق منه بيان لدعواه عدم معرفة السبب أو موته بعد المراجعة وقبل بيانه ، وقوله وهو متجه هو المعتمد ( قوله : فلغو ) يوجه كلام القائل بلغوية الإقرار بأن مسألة المتن فيها صلاحية [ ص: 74 ] اللفظ لغير الحمل فبطلانه لعارض ، بخلاف نحو من ثمن خمر فإنه لا يصح لشخص دون غيره بل ممنوع لكل أحد ، فقوى أول اللفظ ولغا آخره ا هـ مؤلف ( قوله : وطريقه الترجيح ) أي الحاكية للقولين كما يدل له قوله وما صححه ممنوع إلخ وقوله من أنه : أي المحرر وقوله وما عزاه : أي للنووي ( قوله : والمعتمد الأول ) هو قوله أي الإقرار للقطع بكذبه إلخ ( قوله : وتقريره ) أي إثبات ما قاله المقر ، وقوله فعمل به : أي الإقرار ، وقوله وألغى المبطل وهو من ثمن إلخ ( قوله : كله ) أي كقوله له إلخ ، وقوله وملكه قبل : أي قبل الإرقاق ، وقوله : وأن يثبت عطف على أن يقر إلخ ( قوله : ومن ذلك أيضا ) لعل محله ما لم يرد الإقرار بدليل ما يأتي أول فصل يشترط في المقر به عن الأنوار في الدار التي ورثتها من أبي لفلان أنه إقرار إن كان شاملا للإقرار عقب الإرث ا هـ سم على حج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 72 ] قوله : ولي عليك عشرة ) إنما احتاج لهذا لتصح الدعوى إذ لا تصح الدعوى بمجرد الإقرار كما صرحوا به فتنبه ( قوله : صدق المقر بيمينه ) ولكل من العشرة الدعوى عليه وتحليفه فإن حلف لتسعة انحصر الألف في العاشر بلا تحليف كما يميل إلى ترجيحه كلام التحفة ( قوله : ولو أقر بعين المجهول ) خرج بالعين الدين فالإقرار به لمجهول باطل كما مر قبيله ( قوله : لا أعرف مالكه لواحد من أهل البلد ) مثله في التحفة وانظر ما وجه التقييد بواحد من أهل البلد وليس هو في شرح الروض ( قوله : له علي الألف الذي في هذا الكيس إلخ ) انظر ما مناسبة إيراده هنا مع أنه سيأتي في كلامه مبسوطا ثم ظهر أنه إنما ذكره ليمثل للمستحيل حسا .

                                                                                                                            ( قوله : علي لهذه الدابة ) كأن الداعي له إلى ذكر هذا [ ص: 73 ] التصوير مجاراة ظاهر المتن وإلا فعبارة الروض كغيره فلو قال علي لمالكها بسببها ألف ا هـ .

                                                                                                                            على أنه قد يتوقف في هذا التصوير الذي ذكره الشارح تبعا للشهاب حج من حيث الحكم والإعراب ( قوله : لأنها وإن عينت غير سبب للاستحقاق ) أي ; لأنه وإن عينها في إقراره لم يجعلها سببا للاستحقاق كالدابة وإنما ذكرها لمجرد التعريف ، وقضيته أنه لو جعلها سببا للاستحقاق كالدابة يأتي فيها أحكامها وهو ظاهر ( قوله : بإرث أو وصية ) أي مثلا ( قوله : من الأب ) أي مثلا كما علم مما مر ( قوله : أو بإرث من الأب وهو ذكر فكذلك ) أي وإن كان هناك وارث غيره كما هو ظاهر ووجه احتمال أخذ غيره حصته إذ الصورة أنه أقر لخصوص الحمل لكن هذا ينافيه قوله : عقبه أو أنثى فلها النصف فتعين أن الصورة أنه لا وارث غيره ( قوله : فينبغي القطع بالتسوية ) ظاهره في الكل ، وقد يتوقف فيه لأن التسوية لا تكون إلا في إخوة الأم ، ومعلوم أنها في الثلث فقط فانظر المراد ( قوله : باعني شيئا ) أي به [ ص: 74 ] قوله : قال الأذرعي إلخ ) عبارة الأذرعي : وأراد المصنف فالإقرار لغو كما عزاه في الروضة للمحرر وفيه نظر والأقرب أن مراد المحرر فالإسناد لغو يؤيده قول الشرحين إنا إذا صححنا الإقرار المطلق كما هو الأظهر فهنا طريقان أصحهما القطع بالصحة والثانية على القولين في تعقيب الإقرار بما يرفعه ، وطريقة التخريج مشهورة جزم بها أكثر العراقيين وغيرهم وأما القطع بإلغاء الإقرار فلم أره لأحد . نعم من صحح البطلان عند الإطلاق يقول بالبطلان عند هذا الإسناد ، وأما طريقة القطع بالصحة فذكرها المراوزة ا هـ المقصود منها ( قوله : وقول بعضهم ) يعني الشهاب حج ( قوله : لما فيه من تسليم كون اللاغي الإسناد ) أي : في أحد الشقين ، قال الشهاب سم : وأقول هو اعتراض عجيب فأي محذور في ذلك التسليم في الجملة حتى يقتضي عدم صحة ذلك الجمع فعليك بالتأمل الصحيح ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : أن يقر عقب إرثه لآخر بما يخصه ) خرج به ما إذا أقر له بعين فظاهر أنه يؤاخذ بإقراره ، وظاهر أيضا أنه لا يصح الإقرار فيما ذكره الشارح وإن أراد المقر الإقرار لاستحالة أن خصوص ما يخصه بالإرث للغير إذ الصورة أنه لم يتميز له ، [ ص: 75 ] وبهذا يعلم الفرق بين ما هنا وبين ما سيأتي في داري التي ورثتها من أبي لفلان ، وإن توقف الشهاب سم في الفرق بينهما




                                                                                                                            الخدمات العلمية