الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) شرط ( الموقوف ) كونه عينا معينة مملوكة ملكا يقبل النقل يحصل منها مع بقاء عينها فائدة أو منفعة تصح إجارتها كما يشير لذلك كلامه الآتي بذكره بعض محترزات ما ذكر كالمنفعة وإن ملكها مؤبدا بالوصية والملتزم في الذمة وأحد عبديه وما لا يملك ككلب .

                                                                                                                            نعم يصح وقف الإمام نحو أراضي بيت المال على جهة ومعين على المنقول المعمول به بشرط ظهور المصلحة في ذلك إذ تصرفه فيه منوط بها كولي اليتيم ومن ثم لو رأى تمليك ذلك لهم جاز ، وأم ولد ومكاتب وحمل منفرد وذي منفعة لا يستأجر لها كآلة لهو وطعام ، [ ص: 361 ] أما لو وقف حاملا صح فيه تبعا لأمه كما صرح به الشيخ . نعم يصح وقف فحل للضراب وإن لم تجز إجارته لأنه يغتفر في القربة ما لا يغتفر في المعاوضة و ( دوام الانتفاع ) المذكور ( به ) المقصود بأن تحصل منه فائدة مع بقائه مدة كما عبر عنه بذلك جماعة ، وضابط المنفعة المقصودة ما يصح استئجاره على شرط ثبوت حق الملك في الرقبة ، وعلم بذلك أن ما أفاده كلام القاضي أبي الطيب من أنه لا يكفي بقاؤه نحو ثلاثة أيام محمول على ما لا تقصد إجارته في تلك المدة ، وشمل كلام المصنف وقف الموصى بعينه مدة والمأجور وإن طالت مدتهما ، ونحو الجحش الصغير ، والدراهم لتصاغ حليا فإنه يصح وإن لم تكن له منفعة حالا كالمغصوب ولو من عاجز عن انتزاعه ، وكذا وقف المدبر والمعلق عتقه بصفة فإنهما وإن عتقا بالموت ووجود الصفة وبطل الوقف لكن فيهما دوام نسبي أخذا مما مر ، [ ص: 362 ] ومن ثم صح وقف بناء وغراس في أرض مستأجرة لهما ، وإن استحقا القلع بعد انقضاء مدة الإجارة وفارق صحة بيعهما وعدم عتقهما مطلقا بأنه هنا استحق عليه حقان متجانسان فقدمنا أقواهما مع سبق مقتضية ، وبه فارق ما لو أولد الواقف الموقوفة حيث لم تصر أم ولد وخرج ما لا يقصد كنقد للتزين به أو الاتجار فيه وصرف ربحه للفقراء ، وكذا الوصية به كما يأتي وما لا يفيد نفعا كزمن غير مرجو برؤه ( لا مطعوم ) بالرفع أي وقفه إذ نفعه بإهلاكه ( وريحان ) محصود لسرعة فساده ، أما مزروع فيصح وقفه للشم لبقائه مدة كما قاله المصنف وغيره ، وفيه نفع آخر وهو التنزه ، ولهذا قال الخوارزمي وابن الصلاح : يصح وقف المشموم الدائم النفع كالعنبر والمسك بخلاف عود البخور لأنه لا ينتفع به إلا باستهلاكه ، فإلحاق جمع العود بالعنبر محمول على عود ينتفع به بدوام شمه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : مع بقاء عينها فائدة ) أي كالفحل للضراب ( قوله : تصح إجارتها ) أي المنفعة ، وقوله فلا يصح وقف المنفعة ومن ذلك الخلوات فلا يصح وقفها ( قوله : نعم يصح وقف الإمام ) أي وحيث صح وقفه لا يجوز تغيير ، ومما عمت به البلوى ما يقع الآن كثيرا من الرزق الرصدة على أماكن أو على طائفة مخصوصة حيث تغير وتجعل على غير ما كانت موقوفة عليه أو لا فإنه باطل ، ولا يجوز التصرف فيه لغير من عين عليه من جهة الواقف الأول فليتنبه له فإنه يقع كثيرا ، ويفرق بين ما هنا وبين عدم صحة عتق عبيد بيت المال بأن الموقوف عليه هنا من جملة المستحقين فيه كما يصرح به قوله بشرط ظهور المصلحة فوقفه كإيصال الحق لمستحقه ، ولا كذلك العتق نفسه فإنه تفويت للمال ( قوله : نحو أراضي بيت المال ) كتابته بالألف مخالف لقول الشارح كالمحلي بعد قول ، المصنف السابق ولو أراد قوم سقي أرضيهم بفتح الراء بلا الألف ا هـ .

                                                                                                                            وما ذكراه هو القياس فإن الجمع يقتضي زيادة العلامة على المفرد وهي هنا الياء فلا وجه لإثبات الألف ، ولكن في المصباح الأرض مؤنثة والجمع أرضون بفتح الراء .

                                                                                                                            قال أبو زيد : وسمعت العرب تقول في جمع الأرض الأراضي والأروض مثل فلوس ، وجمع فعل فعالي في أرض وأراضي ا هـ .

                                                                                                                            فما ذكره الشارح هنا جار على ما قاله أبو زيد ( قوله : وأم ولد ) عطف على ما لا يصح وقفه ويشكل على ما يأتي من صحة وقف المدبرة والمعلق عتقه بصفة ، فإن قياس ذلك صحة وقف أم الولد وبطلانه بموت السيد ، إلا أن يقال : إنه لما امتنع بيعها حال الوقف أشبهت الحرة فحكم بعدم صحة وقفها ، بخلاف المدبر والمعلق فإن كلا يصح بيعه ويبطل التدبير والتعليق بالعتق ( قوله ومكاتب ) أي كتابة صحيحة كما يأتي ، وكأن فائدة ذكر هذه الأمور مع ذكر بعضها في المتن كأم الولد [ ص: 361 ] التنبيه على ذكر محترزات الشروط التي اعتبرها مجتمعة كما يشعر به قوله كما يشير لذلك كلامه الآتي بذكره بعض محترزات ما ذكر إلخ ( قوله : صح فيه ) أي وعليه فلو استثناه أو جعله مقصودا بأن قال وقفتها وحملها أو كانت حاملا بحر فهل يبطل وقفها قياسا على البيع أو لا ويفرق ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ( قوله : نعم يصح وقف فحل للضراب ) أي وأرش جنايته على من يكون في يده بعد الوقف حال جنايته إن نسب لتقصير حتى أتلف ، والفرق بينه وبين العبد الموقوف إذا جنى حيث قالوا أرش جنايته على الواقف أنه في وقف العبد فوت محل تعلق الأرش وهو الرقبة ، ولا كذلك الفحل فإن ما أتلفه الفحل .

                                                                                                                            بتقدير عدم الوقف لا يباع فيه بل يضمنه من كان الفحل بيده ، كذا نقل عن الشهاب الرملي في حواشي شرح الروض ، ونقل عن شيخنا الزيادي ما يخالفه ، ولعله لم يطلع على ما قاله الشهاب الرملي .

                                                                                                                            أقول : وما قاله الرملي ظاهر ويوافق ما فرق به ما ذكره حج هنا من الفرق بين أرش جناية الرقيق الموقوف حيث لزم الواقف وبين أجرة البناء والغراس في الأرض المحتكرة أو المستأجرة إذا رضي صاحب الأرض ببقائهما بأجرة حيث قلنا بعدم لزومها ، ولو وصل الفحل الموقوف على ذلك إلى حالة لا يصلح فيها للضراب فقياس ما يأتي في حصر المسجد وجذوعه إذا لم يتأت الانتفاع بهما في المسجد من جواز بيعهما أنه هنا يباع ويشترى بثمنه مثله أو جزء من مثله ، فإن لم يمكن شراء جزئه لقلته رجع للموقوف عليه أخذا مما يأتي في البناء والغراس إذا قلعا بعد انتهاء مدة الإجارة ( قوله : على شرط ثبوت ) أي تقدير ثبوت ( قوله : مدة ) المتبادر منه أنها معينة ، وعليه فيخرج بها ما لو أوصى به لغيره مدة حياته ، وينبغي الصحة فيه كوقف المدبر والمعلق عتقه بصفة لم يعلم وقتها فإن مدة الوقف في كل منهما مجهولة ، وقيل فيهما بالصحة ( قوله أخذا مما مر ) أي في قوله بأن تحصل منه فائدة مع بقاء [ ص: 362 ] إلخ ( قوله : وفارق صحة إلخ ) أي ما ذكر من صحة الوقف ابتداء وبطلانه بموت السيد ووجود الصفة لحصول العتق وقوله مطلقا : أي إن وجدت الصفة ومات السيد بعد البيع ( قوله : حقان متجانسان ) وهما الوقف والعتق وتجانسهما من جهة أن كلا حق الله ( قوله كنقد للتزين ) ومثله وقف الجامكية ، لأن شرط الوقف أن يكون مملوكا للواقف وهي غير مملوكة لمن هي تحت يده ، وما يقع من استئذان الحاكم في الفراغ عن شيء من الجامكية ليكون لبعض من يقرأ القرآن مثلا في وقت معين ليس من وقفها بل بفراغ من هي بيده سقط حقه منها وصار الأمر فيها إلى رأي الإمام فيصح تعيينه لمن شاء حيث رأى فيه مصلحة ، ولغيره نقضه إذا رأى في النقد مصلحة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : نحو أراضي بيت المال ) هذا لا يخالف ما تقدم في الشارح بعد قول المصنف السابق في إحياء الموات ، ولو أراد قوم سقي أرضيهم من ضبطه بفتح الراء بلا ألف لأن ذلك ضبط لما وقع التعبير به هناك في المنهاج فلا ينافي قراءته بالألف في حد ذاته الذي عبر به الشارح هنا خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ( قوله : وأم ولد ) أي خرجت بقبول النقل وبه فارقت المدبر والمعلق العتق فلا يحتاج إلى فرق بينهما [ ص: 361 ] من خارج وإن تكلفه الشيخ في الحاشية ( قوله : المقصود بأن تحصل منه فائدة إلخ ) عبارة الشهاب حج نصها : ودوام الانتفاع به المقصود منه ولو بالقوة بأن يبقى مدة تقصد بالاستئجار غالبا ، وعليه يحمل ما أفاده كلام القاضي أبي الطيب إنه لا يكفي فيه نحو ثلاثة أيام فدخل وقف عين الموصى بمنفعته ، إلى آخر ما في الشارح ، فقوله : فدخل وقف عين الموصى بمنفعته إلخ : أي بقوله ولو بالقوة الذي هو غاية في الانتفاع ، وقوله : وكذا وقف المدبر والمعلق عتقه بصفة : أي يدخلان بقوله بأن يبقى مدة تقصد بالاستئجار غالبا الذي هو تفسير لدوام الانتفاع في كلام المصنف ، وقوله : وخرج ما لم يقصد إلخ أي بقوله المقصود منه : أي عرفا ، وقوله : وما لا يفيد نفعا إلخ : أي بقول المصنف الانتفاع وبتأمله تعلم ما في كلام الشارح . ( قوله : بأن تحصل منه فائدة مع بقائه مدة ) عدل به عما مر عن حج ويلزم عليه التكرار ; لأنه قدمه . ( قوله : على شرط ثبوت حق الملك في الرقبة ) كأنه احترز به عن المستأجر أي بشرط فعل بمعنى الباء ولعل هذا أصوب مما في حاشية الشيخ ( قوله : محمول على ما إذا لم تقصد إجارته في تلك المدة ) أي : بأن كانت منفعته فيها لا تقابل بأجرة ( قوله : وشمل كلام المصنف إلخ ) قد علمت مما أسلفته عن حج أن [ ص: 362 ] كلام المصنف لا يشمل هذا بمجرده




                                                                                                                            الخدمات العلمية