الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويد الوكيل يد أمانة وإن كان بجعل ) لنيابته عن موكله في اليد والتصرف ولأنه عقد إحسان والضمان منفر عنه ( فإن تعدى ضمن ) كسائر الأمناء ، ومن التعدي أن يضيع المال منه ولا يعرف كيف ضاع أو وضعه بمحل ثم نسيه ، وهل يضمن بتأخير ما وكل في بيعه وجهان أوجههما عدمه إن لم يكن مما يسرع فساده وأخره مع علمه بالحال [ ص: 49 ] من غير عذر ( ولا ينعزل ) بالتعدي بغير إتلاف الموكل فيه ( في الأصح ) لأن الوكالة إذن في التصرف والأمانة حكم يترتب عليها ولا يلزم من ارتفاعها ارتفاع أصلها كالرهن .

                                                                                                                            والثاني ينعزل كالمودع ورد بأن الوديعة محض ائتمان ، ومحل هذا الوجه إذا تعدى بالفعل ، فإن تعدى بالقول كما لو باع بغبن فاحش ولو بسلم لم ينعزل جزما لأنه لم يتعد فيما وكل فيه ونحوه في الكفاية عن البحر .

                                                                                                                            نعم لو كان وكيلا عن ولي أو وصي انعزل كما بحثه الأذرعي وغيره كالوصي يفسق إذ لا يجوز إبقاء مال محجور بيد غير عدل وهو محمول على عدم إبقاء المال في يده . أما بالنسبة إلى عدم بقائه وكيلا فلا لعدم كونه وليا فلا يمتنع عليه الإتيان بالتصرف الموكل فيه ، ولا ينافيه ما مر من أن الولي لا يوكل في مال المحجور عليه فاسقا لأن ذاك بالنسبة للابتداء ، ويغتفر هنا طرو فسقه إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ، ويزول ضمانه عما تعدى فيه ببيعه وتسليمه ولا يضمن ثمنه لانتفاء تعديه فيه ، فلو رد عليه بعيب مثلا بنفسه أو بالحاكم عاد الضمان مع أن العقد قد يرتفع من حينه على الراجح غير أنا لا نقطع النظر عن أصله بالكلية ، فلا يشكل بما لو وكل مالك المغصوب غاصبه في بيعه فباعه فإنه يبرأ ببيعه وإن لم يخرج من يده حتى لو تلف في يده قبل قبض مشتريه لم يضمنه لوضوح الفرق بينهما وهو قوة يد الوكيل الذي طرأ تعديه لكونه نائبا عن الموكل في اليد والتصرف مع كونها يد أمانة فكأنها لم تزل ، وضعف يد الغاصب لتعديه فليست بيد شرعية فانقطع حكمها بمجرد زوالها ، وتقدم أنه لو تعدى بسفره بما وكل فيه وباعه فيه ضمن ثمنه وإن تسلمه وعاد من سفره فيستثنى مما مر ، ولو امتنع الوكيل من التخلية بين الموكل والمال بعذر لم يضمن وإلا ضمن كالمودع . ولو قال له : بع هذا ببلد كذا واشتر لي بثمنه قنا جاز له إيداعه في الطريق أو المقصد عند حاكم أمين ثم أمين إذ العمل غير لازم له ولا تغرير منه بل المالك هو المخاطر بماله ومن ثم لو باعه لم يلزمه شراء القن ولو اشتراه [ ص: 50 ] لم يلزمه رده بل له إيداعه عند من ذكر ، وليس له رد الثمن حيث لا قرينة ظاهرة تدل على رده فيما يظهر لأن المالك لم يأذن فيه ، فإن علا فهو في ضمانه إلى وصوله لمالكه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فإن تعدى إلخ ) أي كأن ركب الدابة أو لبس الثوب ا هـ محلي .

                                                                                                                            ومن ذلك ما يقع كثيرا بمصرنا من لبس الدلالين للأمتعة التي تدفع إليهم وركوب الدواب أيضا التي تدفع إليهم لبيعها ما لم يأذن في ذلك أو تجري به العادة ويعلم الدافع بجريان العادة بذلك فلا يكون تعديا لكن يكون عارية فإن تلف بالاستعمال المأذون فيه حقيقة أو حكما بأن جرت به العادة على ما مر فلا ضمان وإلا ضمن بقيمته وقت التلف ( قوله : ضمن ) أي ضمان الغصوب ( قوله : ثم نسيه ) أي أو نسي من عامله ( قوله : أوجههما عدمه ) أي عدم الضمان ثم إن كان الإذن له في البيع في يوم معين وفات راجعه في البيع ثانيا وإلا باعه بالإذن السابق ، وكتب أيضا قوله أوجههما عدمه وعليه فلو سرق أو تلف لا ضمان عليه وإن أخر البيع بلا عذر ( قوله : مع علمه بالحال ) [ ص: 49 ] أي فإن لم يعلم وأخر فلا ضمان ، وقضيته أنه دفع إليه ظرفا فيه شيء لم يعلم هل هو مما يسرع فساده أو لا فأخر ولم ينظر ما في الظرف عدم الضمان وهو ظاهر ( قوله : من غير عذر ) أي فيضمن ضمان المغصوب ولو تلف بنحو السرقة ضمنه لأنه بالتأخير صار كالغاصب لعدم استحقاقها وضع يده عليه بعد فوات الزمن الذي أمكن البيع فيه ( قوله : ومحل هذا الوجه ) هو قوله والثاني ينعزل إلخ ( قوله : ونحوه في الكفاية ) في نسخة ذكره في إلخ ( قوله : وهو محمول ) هو قوله نعم لو كان وكيلا عن ولي إلخ ( قوله : ولا ينافيه ما مر ) أي في شرح قول المصنف ويصح توكيل الولي في حق الطفل والمجنون إلخ من قوله وحيث وكل لا يوكل إلا أمينا ( قوله : لانتفاء تعديه فيه ) أي الثمن

                                                                                                                            ( قوله : لانقطع النظر عن أصله ) أي العقد ( قوله : فلا يشكل ) أي عود الضمان ( قوله : فباعه ) أي الغاصب ( قوله : حتى لو تلف في يده ) أي الغاصب . [ فرع ] لو أرسل إلى بزاز ليأخذ منه ثوبا سوما فتلف في الطريق ضمنه المرسل لا الرسول ا هـ عب . ويؤخذ منه جواب حادثة وقع السؤال عنها وهي أن رجلا أرسل إلى آخر جرة ليأخذ فيها عسلا فملأها ودفعها للرسول ورجع بها فانكسرت منه في الطريق وهو أن الضمان على المرسل . ومحله في المسألتين كما هو واضح حيث تلف الثوب والجرة بلا تقصير من الرسول وإلا فقرار الضمان عليه .

                                                                                                                            وينبغي أن يكون المرسل طريقا في الضمان

                                                                                                                            ( قوله : فليست ) أي يد الغاصب ( قوله : وتقدم ) أي في الفصل الذي قبل هذا بعد قول المصنف بغير نقد البلد ( قوله : وإن تسلمه ) أي الثمن ( قوله : وعاد ) ظاهره وإن وصل به إلى المحل الذي كان حقه أن يبيع فيه ( قوله : فيستثنى مما مر ) أي في قوله أو يزول ضمانه ( قوله : جاز له إيداعه ) أي الموكل في بيعه ( قوله : ومن ثم لو باعه ) أي الوكيل [ ص: 50 ] قوله : وليس له رد الثمن ) أي في صورة ما لو قال له : اشتر لي بثمنه كذا إلخ ( قوله : تدل على رده ) وليس من القرينة على الرد ارتفاع سعر ما أذن في شرائه عن العادة فله شراؤه وإن ارتفع سعره وإن لم يشتر فلا يرجع بالثمن بل يودعه ثم ( قوله : لأن المالك لم يأذن فيه ) ويؤخذ من هذا ما ذكره سم على منهج من أنه لو قال : احمل هذا إلى المكان الفلاني فبعه فحمله ورده صار مضمونا في حالة الرد فلو حمل ثانيا إليه صح البيع ا هـ . وقضيته أنه لا فرق في ذلك بين أن يتيسر له البيع في المكان فيتركه ثم يرجع به بلا عذر وبين ما لو تعذر عليه ذلك لعدم وجود مشتر بثمن المثل أو عروض مانع للوكيل من البيع ، وفيه نظر وينبغي أنه لا يضمن حينئذ كأن عدم البيع لمانع لأن العرف قاض في مثله بالعود به للموكل



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : إن لم يكن مما يسرع فساده إلخ ) انظر هل المراد ضمانه بالفساد أو بضياعه في مدة التأخير [ ص: 49 ] قوله : نعم لو كان وكيلا عن ولي إلخ ) استدراك على قول المصنف ولا ينعزل ( قوله : فيستثنى مما مر ) أي من عدم ضمان [ ص: 50 ] ثمن ما تعدى فيه ( قوله : وليس له رد الثمن ) أي بخلاف القن كما فهم من قوله ولو اشتراه لم يلزمه رده بل له إيداعه عند من ذكر




                                                                                                                            الخدمات العلمية