الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( قال : لي عليك ألف ) أو اقض الألف الذي لي عليك فقال لا يلزمني اليوم تسليم ذلك لم يكن إقرارا لانتفاء ثبوته بالمفهوم : أي لضعف دلالته فيما المطلوب فيه اليقين أو الظن الغالب وهو الإقرار ، وبذلك يندفع قول التاج السبكي مضعفا له ، وهذا يقوله من يقصر المفاهيم على أقوال الشارع ، ووجه اندفاعه أنه يأتي حتى على الأصح المقرر في الأصول أن المفهوم يعمل به في غير أقوال الشارع لما قررناه من خروج الإقرار عن ذلك بمزيد احتياط ، ومن ثم أطلق الشافعي رضي الله عنه أنه إنما يأخذ فيه باليقين ولا يستعمل الغلبة ، لكن مراده ما تقرر من إلحاق الظن القوي باليقين كما صرحوا به في أكثر مسائله ، ويؤيد ما ذكر قولهم لو قال : لي عليك ألف فقال : ليس لك أكثر من ألف لم يلزمه شيء لأن نفي الزائد عليه لا يوجب إثباته ولا إثبات ما دونه ، ولو قال : لزيد علي أكثر مما لك بفتح اللام لم يكن إقرارا ، بخلاف ما لو كسرها فإنه إقرار لزيد .

                                                                                                                            لا يقال يؤيد ما قاله التاج قول الروضة لو قال : أقرضتك كذا [ ص: 78 ] فقال : ما اقترضت غيره كان إقرارا به ، ففيه ثبوت الإقرار بالمفهوم لأنا نمنع التأييد ، إذ هذا في قوة ما اقترضت إلا هو ، ومفهوم هذه الصيغة وهي ثبوت اقتراضه أعلى المفاهيم ، بل ذهب جمع إلى صراحته فلا يقاس به مفهوم الظرف المختلف في حجيته ، ولا يرد على هذا قوله : إن المفهوم من هذه الألفاظ عرفا الإقرار ، وهذا صريح في العمل فيه بالمفهوم لأن محله في ألفاظ اطرد العرف في استعمالها مرادا منها ذلك ، وهذا لا نزاع في العمل به ، وكلامنا في مفهوم لفظ لم يطرد العرف في قصده منه ، ولو قال له أحد تينك الصيغتين ( فقال ) مع خمسين أو ( زن أو خذ أو زنه أو خذه أو اختم عليه أو اجعله في كيسك ) أو هو صحاح أو مكسرة ( فليس بإقرار ) لأنه ليس بالتزام وإنما يذكر في معرض الاستهزاء ( ولو قال ) في جواب : لي عليك مائة أو أليس لي عليك مائة ( بلى أو نعم أو صدقت ) أو أجل أو جير أو إي ( أو أبرأتني منه أو قضيته ) أو اقضي غدا وإن لم يأت بضمير وقياسه إن قضيت بدون ضمير كذلك ( أو أنا مقر به ) أو لا أنكر ما تدعي به ( فهو إقرار ) لأن الستة الأول موضوعة للتصديق .

                                                                                                                            نعم لو اقترن بواحد مما ذكر كصدقت ، ونحوه قرينة استهزاء كإيراد كلامه بنحو هز رأس وضحك مما يدل على التعجب والإنكار لم يكن به مقرا ، ولأن دعوى الإبراء أو القضاء اعتراف بالأصل ، ولو حذف منه لم يكن إقرارا لاحتماله الإبراء من الدعوى وهو لغو ، وكذا أقر أنه أبرأني أو استوفى مني كما أفتى به القفال ، وهي حيلة لدعوى البراءة مع السلامة من الالتزام ، ويلحق به أبرأتني من هذه الدعوى ، ولأن الضمير في به عائد للألف المدعى بها فلا حاجة لقوله لك كما أجاب به السبكي عن قول الرافعي يحتمل أنه مقر لغيره عند حذف لك ، ولو سأل الحاكم المدعى عليه عن جواب الدعوى فقال : عندي كان إقرارا ، قاله السبكي ، ولو قال : إن شهدا علي بكذا صدقتهما أو قالا ذلك فهو عندي أو صدقتهما لم يكن إقرارا لانتفاء الجزم ولأن الواقع لا يعلق ، بخلاف فهما صادقان لأنهما [ ص: 79 ] لا يكونان صادقين إلا إن كان عليه المدعى به الآن فيلزمه وإن لم يشهدا ، فلو قال : فهما عدلان فيما شهدا به فالأوجه أنه كقوله فهما صادقان لأنه بمعناه ، ولو قال لمن شهد عليه هو عدل أو صادق فليس بإقرار حتى يقول فيما شهد به ولو ادعى عليه بعين فقال : صالحني عما كان علي فهو إقرار بمبهم له المطالبة ببيانه ، ويفارق كان لك عندي أو علي ألف بأنه لما لم يقع جوابا عن شيء كان باللغو أشبه ، ولو ادعى عليه ألفا فأنكر فقال : اشتر هذا مني بالألف الذي ادعيته كان إقرارا به كبعني بخلاف صالحني عنه به إذ ليس من ضرورة الصلح كونه بيعا حتى يكون ثم ثمن بخلاف الشراء ، ولو قال في جواب دعواه لا تدم المطالبة وما أكثر ما تتقاضى لم يكن إقرارا لانتفاء صراحته ، قاله ابن العماد ، ولو قال في جواب دعوى عين بيده اشتريتها أو ملكتها منك أو من وكيلك كان إقرارا لتضمنه ذلك الملك للمخاطب عرفا ولم ينظروا إلى احتمال كون المخاطب وكيلا في البيع ولا إلى احتمال كون الوكيل باع ملك غير المخاطب لبعده عن المقام ، بخلاف قوله ملكتها على يدك لا يكون إقرارا لأن معناه كنت وكيلا في تمليكها ، ولو طالبه بوفاء شيء فقال بسم الله لم يكن إقرارا كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو اقض ) قسيم لقوله ولو قال : لي عليك ( قوله : وبذلك ) اسم الإشارة راجع لقوله لانتفاء ثبوته ( قوله : وهذا ) أي كونه ليس إقرارا ( قوله : إنما يأخذ فيه ) أي الإقرار ( قوله : لكن مراده ) أي الشافعي ( قوله : ويؤيده ما ذكر ) أي من أنه ليس إقرارا ( قوله : لم يكن إقرارا ) أي لأنه مع فتح اللام صادق بكل ما ينسب لزيد وإن لم يكن من جنس ما يقر به كالعلم والشجاعة ( قوله : فإنه إقرار لزيد ) أي ويلزمه له ما فسره به وإن لم يتمول كما يأتي للشارح ( قوله : لا يقال يؤيد ما قاله التاج ) وهو قوله وهذا [ ص: 78 ] يقول إلخ ( قوله : تينك ) هما قوله : لي عليك ألف وقوله : أو اقض الألف الذي لي إلخ ( قوله : أو أليس لي عليك ) الأولى عدم ذكر هذه لما يأتي في قول المصنف ولو قال أليس لي عليك كذا إلخ من حكاية الخلاف في نعم ، بل لا حاجة إلى قوله أيضا ولو قال في جواب لي عليك مائة لأنه مستفاد ( قوله : موضوعة للتصديق ) قد يقال في نعم وما بعدها نظر بالنسبة لقوله : أليس لي عليك لأنه نفي وتصديق النفي ليس إقرارا ، وسيأتي الجواب عنه في كلام الشارح بأن الإقرار مبني على العرف ( قوله : لدعوى البراءة ) أي أو الاستيفاء وقوله ويلحق به : أي بقوله لم يكن إقرارا وقوله المدعى بها الأولى به لأن الألف مذكر وقوله وكذا أقر : أي ليس إقرارا ( قوله : فهما صادقان ) قال سم على منهج بعد مثل ما ذكر : وينبغي وفاقا ل م ر أن الحكم كذلك وإن كان لا تقبل شهادته كعبد وصبي فلينظر ، ولعل الفرق بين ما لو قال : إن شهدا علي بكذا صدقتهما وبين إن شهدا علي فهما صادقان أن الجواب في قوله : فهما صادقان اسمية مدلولها الثبوت وهو لا يعلق فيؤول بأن المعنى إن شهدا علي قبلت شهادتهما لأنهما صادقان ومتى كان صادقين كان ذلك إقرارا منه باعترافه بالحق ، بخلاف صدقتهما فإن المعنى فيه إن شهدا [ ص: 79 ] على نسبتهما للصدق وذلك لا يلزم منه الدلالة على صدقهما ( قوله : فيما شهدا به ) فإن أسقط فيما شهدا به لم يكن إقرارا ا هـ حج .

                                                                                                                            قال في شرح الروض : ولو لم يأت بصيغة الشهادة بل قال : إذا قال زيد إن لعمرو علي كذا فهو صادق كان الحكم كذلك كما قاله ابن العماد ا هـ . ومنه يعلم جواب حادثة وقع السؤال عنها وهي أن رجلا اتهم بمتاع إنسان فشهد عليه شخص بأنه رأى بعض المتاع عنده فقال المدعى عليه : إن حلف هذا الشاهد أنه رأى عندي هذا المشهود به فهو صادق وهو أن يكون مقرا بذلك وإن لم يحلف الشاهد ; لأنه إذا حكم بصحة الإقرار بمجرد التعليق على الإخبار الخالي عن اليمين فمع الإخبار على التعليق باليمين يكون كذلك ( قوله : له المطالبة ببيانه ) قضية كونه تفسير المبهم أن يقبل تفسيره بما لا يتمول كحبة بر وفيه أن غير المتمول لا يصح الصلح عنه بمال لأن الصلح عن العين أو الدين بمال بيع وما لا يتمول لا يصح بيعه فلعل المراد أنه يصح تفسيره بما يصح الصلح عنه بمال فليحرر ( قوله : وما أكثر ما تتقاضى ) أي تطلب وقوله دعوى عين بيده أي المدعى عليه ( قوله : فقال بسم الله ) ومثله ما لو قال على الرأس والعين بالأولى .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ولا يرد على هذا قولهم ) أي : في شأن ألفاظ ذكروا أنها إقرار مما سيأتي وغيره ( قوله : لأن محله في ألفاظ اطرد العرف ) إلخ أي : فليس المراد منه المفهوم الاصطلاحي الذي هو دلالة اللفظ في غير محل النطق ، بل المراد منه أن هذا اللفظ غلب استعماله في هذا المعنى بحيث صار لا يفهم منه عند الإطلاق إلا هذا المعنى ، لكن قوله : وكلامنا في مفهوم لفظ إلخ قد لا يوافق ذلك فليحرر .

                                                                                                                            ( قوله : في جواب لي عليك مائة ) الأولى ألف لأنها التي في المتن ولمراعاة تذكير الضمير في المتن ( قوله : وإن لم يأت بضمير ) أي وهذا بخلاف ما إذا وقع في جواب اقض الألف الذي لي عليك كما سيأتي عن الإسنوي .




                                                                                                                            الخدمات العلمية