الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6988 6989 ص: وقالوا : هذا الذي روي عن رسول الله -عليه السلام - إنما هو على خاص من الشعر ، فذكروا في ذلك ما حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح قال : "قيل لعائشة : إن أبا هريرة يقول : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ، خير له من أن يمتلئ شعرا .

                                                [ ص: 12 ] فقالت عائشة - رضي الله عنها - : يرحم الله أبا هريرة ، ، حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره ; إن المشركين كانوا يهاجون رسول الله -عليه السلام - فقال : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا من مهاجاة رسول الله -عليه السلام - " .

                                                حدثنا علي بن عبد العزيز البغدادي ، قال : ثنا أبو عبيدة ، قال : سمعت يزيد ، يحدث ، عن الشرقي بن القطامي ، عن مجالد ، عن الشعبي ، أن النبي -عليه السلام - قال : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ، خير له من أن يمتلئ شعرا -يعني من الشعر الذي هجي به النبي -عليه السلام - " .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قال هؤلاء الآخرون ، وهذا جواب عن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى ، بيانه أن هذه الأحاديث واردة على نوع مخصوص من الشعر ، وهو الذي يكون فيه هجاء أو فحش وليس ذلك بممنوع مطلقا ; والدليل على ذلك ما روي عن عائشة وعامر الشعبي فإنهما قد بينا أن المراد من الشعر الممنوع هو الشعر الذي فيه هجاء وثلب عرض وفحش ، ألا ترى كيف أنكرت عائشة على أبي هريرة حيث قالت : "يرحم الله أبا هريرة ; حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره " أرادت أن مورد هذا الحديث الذي رواه هو أن المشركين كانوا يهاجون رسول الله -عليه السلام - ، فقال النبي -عليه السلام - ما قال من ذلك ; ردعا لهم وزجرا لغيرهم عن أن يأتوا بمثل ذلك ، وكذلك قال الشعبي ، فإنه فسر الشعر في قوله : "خير له من أن يمتلئ شعرا " بالشعر الذي هجي به النبي -عليه السلام - ، وليس المراد مطلق الشعر فافهم .

                                                أما ما روي عن عائشة : فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم ، عن عبد الله بن وهب ، عن إسماعيل بن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة وبالشين المعجمة - بن سليم الشامي الحمصي ، فيه مقال ، وعن دحيم : هو غاية في الشاميين وخلط عن المدنيين .

                                                وهو يروي عن محمد بن السائب ، ضعفه يحيى ، وعنه : ليس بشيء . روى له الترمذي وابن ماجه .

                                                وهو يروي عن أبي صالح باذان -ويقال : ماذان - مولى أم هانئ بنت أبي طالب ،

                                                [ ص: 13 ] قال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال النسائي : ليس بثقة . وعن يحيى : ليس به بأس ، وإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء .

                                                وأما ما روي عن عامر الشعبي : فأخرجه عن علي بن عبد العزيز الحافظ شيخ الطبراني ، وثقه ابن حبان والدارقطني ، عن أبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي الفقيه القاضي ، الأديب المشهور ، صاحب التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة . عن يزيد بن هارون -شيخ أحمد ، روى له الجماعة .

                                                عن الشرقي بن قطامي الكوفي واسمه : الوليد ، واسم أبيه : الحصين ، وثقه ابن حبان ، وضعفه الساجي .

                                                عن مجالد بن سعيد الهمداني ضعفه يحيى بن معين ، ووثقه النسائي ، وروى له مسلم مقرونا بغيره ، واحتجت به الأربعة ، عن عامر الشعبي .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه " من حديث شرقي بن قطامي ، عن مجالد ، عن الشعبي ، أن النبي -عليه السلام - قال : "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه ; خير له من أن يمتلئ شعرا -يعني من الشعر الذي هجي به النبي -عليه السلام - " .

                                                قال أبو عبيد : الذي فيه عندي غير هذا ; لأن ما هجي به الرسول لو كان شطر بيت لكان كفرا ; ولكن وجهه عندي : أن يمتلئ قلبه حتى يغلب عليه ، فيشغله عن القرآن والذكر .

                                                قلت : فيما ذكر أبو عبيد نظر ; لأن الذين هجوا النبي - صلى الله عليه وسلم - كفار وهم في حال هجوهم موصوفون بالكفر من غير هجو ، غاية ما في الباب قد زاد كفرهم هجوهم ، والصواب هو الذي قاله الطحاوي في آخر الباب ، ولكن الذي يؤيد هذا ما روي عن عائشة - رضي الله عنها - .




                                                الخدمات العلمية