الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7204 7205 ص: وقد روي في ذلك أيضا عن عمر - رضي الله عنه - ما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : " جدب لنا عمر السمر بعد العشاء الآخرة " .

                                                ففي هذا الحديث أن عمر - رضي الله عنهم - جدب لهم السمر بعد العشاء الآخرة ، ولم يبين لنا في هذا الحديث أي سمر ذلك السمر ؟ فنظرنا في ذلك ، فإذا سليمان بن شعيب قد حدثنا ، قال : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : ثنا شعبة ، عن الجريري ، قال : سمعت أبا نضرة ، عن أبي سعيد مولى الأنصار قال : "كان عمر - رضي الله عنه - لا يدع سامرا بعد العشاء الآخرة ، يقول : ارجعوا لعل الله يرزقكم صلاة أو تهجدا ، فانتهى إلينا وأنا قاعد مع ابن مسعود 5 وأبي بن كعب 5 وأبي ذر ، - رضي الله عنهم - فقال : ما يقعدكم ؟ قلنا : أردنا أن نذكر الله ، فقعد معهم " .

                                                فهذا عمر ، - رضي الله عنه - قد كان ينهاهم عن السمر بعد العشاء ليرجعوا إلى بيوتهم ليصلوا ، أو ليناموا نوما ثم يقومون لصلاة يكونون بذلك متهجدين ، . فلما سألهم ما الذي أقعدهم ؟ فأخبروه أنه ذكر الله ، لم ينكر ذلك عليهم وقعد معهم ; لأن ما كان يقيمهم له هو الذي هم قعود له .

                                                فثبت بذلك أن السمر الذي في حديث أبي وائل عن عبد الله أن رسول الله -عليه السلام - وعمر - رضي الله عنه - جدبا لهم هو الذي فيه قربة إلى الله -عز وجل - ، والمنهي عنه في حديث أبي برزة هو الذي لا قربة فيه لتستوي معاني هذه الآثار فتتفق ولا تتضاد .

                                                [ ص: 204 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 204 ] ش: أي وقد روي في حكم السمر أيضا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما حدثنا محمد بن خزيمة . . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح : عن ابن خزيمة ، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود .

                                                قوله : "ولم يبين لنا عمر . . . . " إلى آخره . أشار بهذا الكلام إلى بيان المراد من قول عبد الله بن مسعود : "إن رسول الله -عليه السلام - جدب لنا السمر بعد صلاة العتمة ، وكذا عمر بن الخطاب أنه جدب لنا السمر بعد العشاء " أن النبي -عليه السلام - وعمر ما أرادا من السمر ، وأي سمر هو ؟

                                                فنظرنا في ذلك فإذا أبو سعيد مولى الأنصار بين ذلك في حديثه ، من أن المراد من ذلك هو السمر الذي فيه قربة إلى الله -عز وجل - ، وأنه غير مكروه .

                                                وأخرج ذلك بإسناد صحيح ، عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي ، عن شعبة ، عن سعيد بن إياس الجريري -بضم الجيم وفتح الراء الأولى - نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وائل ، عن أبي نضرة -بالنون والضاد المعجمة - هو المنذر بن مالك العوفي ، روى له الجماعة ; البخاري مستشهدا ، عن أبي سعيد مولى الأنصار ، ذكره ابن حبان في الثقات التابعين ، ولم يذكر له اسما ، وقال : مولى لبني أسد الأنصاري .

                                                قوله : "لا يدع سامرا " أي لا يتركه .

                                                قوله : "فثبت بذلك ، أي بما ذكرنا من أثر أبي سعيد مولى الأنصار أن السمر الذي في حديث أبي وائل عن عبد الله "أن النبي -عليه السلام - جدب لنا السمر . . . . " الحديث ، وعن أبي وائل عن عبد الله قال : "جدب لنا عمر السمر . . . . " إلى آخره هو السمر الذي فيه قربة إلى الله -عز وجل - فهذا الكلام ينادي بأعلى صوته ؟ ؟ ؟ وغيره فافهم ; فإنه موضع التأمل .




                                                الخدمات العلمية