الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6111 6112 ص: وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ما حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : ثنا مسعر ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي - رضي الله عنه - قال : "إذا بلغكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث فظنوا به الذي هو أهنأ ، والذي هو أهدى ، والذي هو أتقى ، والذي هو خير " .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب وأبو الوليد ، قالا : ثنا شعبة ، عن عمرو . . ... ، فذكر بإسناده مثله . غير أنه لم يقل : "والذي هو خير " .

                                                فهكذا ينبغي للناس أن يفعلوا ، وأن يحسنوا تحقيق ظنونهم ، ولا يقولوا على رسول الله -عليه السلام - إلا بما قد علموه ; فإنهم منهيون عن ذلك معاقبون عليه ، وكيف يجوز لأحد أن يحمل حديث رسول الله -عليه السلام - على ما حمله عليه هذا المخالف ، وقد وجدنا

                                                [ ص: 451 ] كتاب الله -عز وجل - لدفعه ، ثم السنة المجمع عليها تدفعه أيضا ، فأما كتاب الله -عز وجل - فإن الله يقول : واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان وقال : وأشهدوا ذوي عدل منكم وقد كانوا قبل نزول هاتين الآيتين لا ينبغي لهم أن يقضوا بشهادة ألف رجل ولا أكثر منهم ولا أقل ; لأنه لا يوصل بشهادتهم إلى حقيقة صدقهم ، فلما أنزل الله -عز وجل - ما ذكرنا قطع بذلك العذر وحكم بما أمر به على ما تعبد به خلقه ، ولم يحكم بما هو أقل من ذلك ; لأنه لم يدخل فيما تعبدوا به ، وأما السنة المتفق عليها فهي أنه لا يحكم بشهادة جار إلى نفسه مغنما ولا دافع عنها مغرما ، . والحكم باليمين مع الشاهد على ما حمل عليه هذا المخالف لنا حديث رسول الله -عليه السلام - فيه حكم لمدع بيمينه ; فذلك حكم لجار إلى نفسه بيمينه ، فهذه سنة متفق عليها تدفع الحكم باليمين مع الشاهد على ما قد دفعه مما قد ذكرنا من كتاب الله والسنة المتفق عليها ، لا إلى ما يخالفهما أو يخالف أحدهما .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر أثر علي - رضي الله عنه - شاهدا لقوله : "فلا ينبغي لأحد أن يأتي إلى خبر . . . . " إلى آخره .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح من طريقين رجالهما ثقات :

                                                الأول : عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري ، عن مسعر بن كدام الكوفي ، عن عمرو بن مرة بن عبد الله الكوفي الأعمى ، عن أبي البختري -بفتح الباء الموحدة ، وسكون الخاء المعجمة ، وفتح التاء المثناة من فوق ، وكسر الراء - واسمه سعيد بن فيروز الطائي الكوفي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي واسمه عبد الله بن حبيب ، ولأبيه صحبة .

                                                وأخرجه ابن ماجه : عن محمد بن بشار ، عن يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد الرحمن . . . . به نحوه .

                                                [ ص: 452 ] الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير بن حازم وأبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي -شيخ البخاري ، كلاهما عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري . . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا يحيى بن سعيد ، عن مسعر ، ثنا عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي - رضي الله عنه - قال : "إذا حدثتم عن رسول الله -عليه السلام - فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه " .

                                                قوله : "فظنوا به " أي استيقنوا به ; لأن الظن يجيء بمعنى العلم ، قال دريد بن الصمة :


                                                فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج . . . سراتهم في الفارسي المسرد



                                                أي استيقنوا ، وإنما يخوف عدوه باليقين لا بالشك .

                                                قوله : "أهنا " أي أطيب وأقرب إلى الاتباع .

                                                قوله : "وأهدى " أي إلى الصواب .

                                                قوله : "وأتقى " أي في العمل .

                                                فقد دل هذا على أن الواجب على الرجل إذا بلغه الحديث وله تأويلات أو معان كثيرة لا يصرف تأويله أو معناه إلا إلى معنى يوافق الكتاب أو سنة أخرى أو الإجماع ، فإذا صرفه إلى غير ذلك يكون مخالفا لما قصده النبي -عليه السلام - ، وصارفا معناه إلى غير ما قصده ، فيكون كاذبا فيه ، فيدخل تحت قوله : "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " .

                                                قوله : "هذا المخالف " أراد به الشافعي ، والواو في قوله : "وقد وجدنا " للحال .

                                                قوله : "جار " بتشديد الراء من جر يجر .




                                                الخدمات العلمية