الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6177 6178 ص: وكان من حجتهم على أهل المقالة الأولى على فساد ما ذهبوا إليه واحتجوا به لقولهم من حديث أبي هريرة الذي ذكرنا : أن الذي في ذلك الحديث "فأصاب رجل ماله بعينه " ، والمبيع ليس هو عين ماله وإنما هو عين مال قد كان له ، وإنما ماله بعينه يقع على الغصوب والعواري والودائع وما أشبه ذلك ، فذلك ماله بعينه فهو أحق به من سائر الغرماء ، وفي ذلك جاء هذا الحديث عن رسول الله -عليه السلام - وإنما يكون هذا الحديث حجة لأهل المقالة الأولى لو كان : "فأصاب رجل عين مال قد كان له ، فباعه من الذي وجده في يده ولم يقبض منه ثمنه فهو أحق به من سائر الغرماء " فهذا الذي

                                                [ ص: 547 ] يكون حجة لهم لو كان لفظ الحديث كذلك ، فأما إذا كان على ما روينا في الحديث ; فلا حجة لهم في ذلك ، وهو على الودائع والغصوب والعواري والرهون أموال الطالبين في وقت المطالبة بها وذلك كما جاء عن رسول الله -عليه السلام - في حديث سمرة - رضي الله عنه - ، فإنه حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن سعيد بن زيد بن عقبة ، عن أبيه ، عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله -عليه السلام - قال : "ومن سرق له متاع -أو ضاع له متاع - فوجده في يد رجل بعينه ، فهو أحق بعينه ، ويرجع المشتري على البائع بالثمن " .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : وكان من حجة هؤلاء الآخرين ، وأراد بها الجواب عما احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من حديث أبي هريرة المذكور ، وبيانه أن يقال : استدلالهم به لما ذهبوا إليه فاسد ; وذلك لأن المذكور في الحديث "فأصاب رجل ماله بعينه " .

                                                والمبيع ليس هو عين ماله ; لأنه خرج عن ملكه بالعقد وملكه المشتري فكأن العين قد تبدلت بتبدل الملك الوارد عليها ، نعم قد كان ذلك عين ماله قبل ورود العقد عليه .

                                                وقوله : "ماله بعينه " إنما يقع على الغصوب والعواري والودائع ونحوها ; لقيام ملكه فيها ، والحديث إنما يكون حجة لهؤلاء لو كان رجل أصاب غير ماله الذي قد كان له ، فباعه من الرجل الذي وجده في يده ، والحال أنه لم يقبض منه ثمنه ، فهو أحق به من سائر الغرماء ، فلو كان لفظ الحديث هكذا كان يكون حجة لهم ، فأما إذا كان على اللفظ الذي روي فيما مضى ، فليس لهم فيه حجة ، وإنما هو على الغصوب والودائع والرهون ونحوها ، والدليل على ذلك ما روي عن سمرة بن جندب .

                                                أخرجه عن محمد بن عمرو بن يونس الثعلبي السوسي ، عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير ، عن الحجاج بن أرطاة النخعي فيه مقال ، عن سعيد بن زيد الفزاري الكوفي وثقه ابن حبان ، عن أبيه زيد بن عقبة الفزاري الكوفي -أخي حصين بن عقبة ، وثقه العجلي والنسائي وروى له وأبو داود والترمذي أيضا .

                                                [ ص: 548 ] وأخرجه الطبراني : نا عبيد بن غنام ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (ح).

                                                وحدثنا معاذ بن المثنى ، ثنا مسدد ، قالا : ثنا أبو معاوية ، عن الحجاج ، عن سعيد بن زيد . . . . إلى آخره نحوه .

                                                فهذا يبين أن المراد من حديث أبي هريرة أنه على الودائع والعواري ونحوهما ، وأن صاحب المتاع أحق به إذا وجده في يد رجل بعينه ، وليس للغرماء فيه نصيب ، لأنه باق على ملكه ولم يخرج ; لأن يد الغاصب يد التعدي والظلم ، وكذلك يد السارق ، بخلاف ما إذا باعه وسلمه إلى المشتري ، فإنه يخرج عن ملكه وإن لم يقبض الثمن .




                                                الخدمات العلمية