الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6148 6149 ص: حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، قال : ثنا مسلم بن خالد الزنجي ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن البيلماني قال : "كنت بمصر ، فقال لي رجل : ألا أدلك على رجل من أصحاب رسول الله -عليه السلام - ؟ فقلت : بلى ، فأشار إلى رجل فجئته فقلت : من أنت يرحمك الله ؟ فقال : أنا سرق ، فقلت : سبحان الله ما ينبغي لك أن تسمى بهذا الاسم فأنت رجل من أصحاب رسول الله -عليه السلام - ، فقال : إن رسول الله -عليه السلام - سماني بسرق فلن أدع ذلك أبدا . قلت : ولم سماك سرق ؟ ؟ قال : لقيت رجلا من أهل البادية ببعيرين له يبيعهما ، فابتعتهما منه ، فقلت له : انطلق معي حتى أعطيك ، فدخلت بيتي ثم خرجت من خلف لي وقضيت بثمن البعيرين حاجتي وتغيبت حتى ظننت أن الأعرابي قد خرج ، فخرجت والأعرابي مقيم ، فأخذني وقدمني إلى رسول الله -عليه السلام - فأخبرته الخبر ، فقال رسول الله -عليه السلام - : ما حملك على ما صنعت ؟ قلت : قضيت بثمنهما حاجتي يا رسول الله قال : فاقضه ، قال : قلت : ليس عندي ، قال : أنت سرق اذهب به يا أعرابي فبعه حتى تستوفي حقك ، قال : فجعل الناس يسومونه بي ، ويلتفت إليهم فيقول : ماذا تريدون ؟ فيقولون : نريد أن نبتاعه منك ، قال : فوالله إن منكم أحد أحوج إليه مني ، اذهب فقد أعتقتك " .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، قال : حدثني زيد بن أسلم ، قال : "لقيت رجلا بالإسكندرية يقال له سرق ، فقلت له : ما هذا الاسم ؟ قال : سمانيه رسول الله -عليه السلام - ، قدمت المدينة فأخبرتهم أنه يقدم لي مال فبايعوني فاستهلكت أموالهم ، فأتوا النبي -عليه السلام - : فقال أنت سرق ، فباعني بأربعة أبعرة ، فقال له غرماؤه : ما تصنع به ؟ قال : أعتقه ، ، قالوا : ما نحن بأزهد في الأجر منك ، فأعتقوني " .

                                                [ ص: 505 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 505 ] ش: هذان طريقان :

                                                الأول : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن يحيى بن صالح الوحاظي أبي زكرياء الدمشقي -ويقال : الحمصي - أحد الأئمة الحنفية وشيخ البخاري ، ونسبته إلى وحاظة -بضم الواو ، وبالحاء المهملة وبعد الألف ظاء معجمة - وهو وحاظة بن سعد بن عوف بن عدي ، يروي عن مسلم بن خالد الزنجي الملكي -شيخ الشافعي ، ضعفه يحيى وأبو داود ، وقال ابن المديني : ليس بشيء .

                                                وقال البخاري : منكر الحديث . روى له أبو داود وابن ماجه ، عن زيد بن أسلم القرشي المدني الفقيه مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - روى له الجماعة ، عن عبد الرحمن بن البيلماني ، قال أبو حاتم : لين . روى له الأربعة وعن سرق -بضم السين المهملة وفتح الراء المشددة وفي آخره قاف - وقال ابن الأثير : سرق محفف بوزن غدر ونسق ، وأصحاب الحديث يشددون الراء والصواب تخفيفها ، وهو سرق بن أسد الجهني . ويقال : الديلمي، ويقال : الأنصاري ، سكن مصر ، قيل : كان اسمه الحباب فسماه رسول الله -عليه السلام - سرقا لما ذكره في الحديث المذكور .

                                                وأخرجه الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا معلى بن مهدي الموصلي (ح).

                                                وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني العباس بن [عبد] الواحد القرشي ، قالا : ثنا مسلم بن خالد الزنجي ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن البيلماني . . . إلى آخره نحوه .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث التميمي العنبري البصري ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار العدوي المدني ، عن زيد بن أسلم . . . . إلى آخره .

                                                وهذا إسناد صحيح .

                                                [ ص: 506 ] وأخرجه ابن يونس في ترجمة سرق فقال : سرق رجل من أصحاب النبي -عليه السلام - ، روى عنه زيد بن أسلم ، كان بالإسكندرية وهو معروف من أهل مصر وقد روى ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، ثنا محمد بن المثنى ، نا عبد الصمد بن عبد الوارث ، نا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، ثنا زيد بن أسلم قال : "رأيت شيخا بالإسكندرية يقال له : سرق ، فقلت : ما هذا الاسم ؟ ! فقال : سمانيه رسول الله -عليه السلام - فلن أدعه ، قال : قلت : ولم سماك ؟ قال : قدمت المدينة فأخبرتهم أن مالي يقدم ، فبايعوني ، فاستهلكت أموالهم ، فأتوا النبي -عليه السلام - فذكروا ذلك له ، فقال : أنت سرق ، فباعني -قال : بأربعة أبعرة - فقال الغرماء للذي اشتراني : فما تصنع به ؟ قال : أعتقه ، قالوا فلسنا بأزهد في الأجر منك ، قال : فأعتقوه ، قال : وبقي اسمي هذا فلن أدعه " .

                                                قوله : "ثم خرجت من خلف لي "
                                                أراد به [ظهر بيته ، يعني كان لبيته بابان ، دخل من أحدهما فخلى الأعرابي عليها ، وخرج من الآخر فقضى حاجته ثم عاد ، وظن أن الأعرابي قد ذهب ، فلا خرج مسكه وذهب به إلى النبي -عليه السلام- ; ومن هذا القبيل ما جاء في حديث عائشة وبناء الكعبة ، قال : "لولا حدثان قومك بالكفر ; بنيتها على أساس إبراهيم ، وجعلت لها خلفين . . . . " الحديث . كأنه أراد أن يجعل لها بابين ، والجهة التي تقابل الباب من البيت ظهره ; فإذا كان لها بابان فقد صار لها ظهران ، والخلف : الظهر فافهم ، ويقال للمربد أيضا خلف . قال الجوهري : يقال : وراء بيتك خلف حيد وهو المربد . ويمكن أن يكون وراء بيت مربد فخرج منه وغيبه .




                                                الخدمات العلمية