الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5794 ص: وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : إن كانت هذه القلادة لا يعلم مقدار ذهبها أهو مثل وزن جميع الثمن أو أقل من ذلك أو أكثر إلا بأن تفصل القلادة فيوزن ذلك الذهب الذي فيها فيوقف على وزنه ; لم يجز بيعها بذهب إلا بعد ما يفصل ذهبها منها فيعلم أنه أقل من ذلك الثمن ، وإن كانت القلادة يحيط العلم بوزن ما فيها من الذهب ، ويعلم أنه أقل من الذهب الذي بيعت به ، أو لا يحيط العلم بوزنه إلا أنه يعلم في الحقيقة أنه أقل من الثمن الذي بيعت به القلادة وهو ذهب ; فالبيع جائز ; وذلك أنه يكون ذهبها بمثل وزنه من الذهب الثمن ، ويكون ما فيها من الخرز بما بقي من الثمن ، ولا يحتاج في ذلك إلى قسمة الثمن على القيمة كما يحتاج إليه في العروض المبيعة بالثمن الواحد .

                                                والدليل على ذلك أنا رأينا الذهب لا يجوز أن يباع بذهب إلا مثلا بمثل ، ورأيناهم لا يختلفون في دينارين أحدهما في الجودة أفضل من الآخر بيعا صفقة واحدة بدينارين متساويين في الجودة ، أو بذهب غير مضروب جيد ; أن البيع جائز ، فلو كان ذلك مردودا إلى حكم القسمة كما ترد العروض من غير الذهب والفضة إذا بيعت بثمن واحد ; إذا لفسد البيع ; لأن الدينار نصيبه أقل من وزنه إذا كانت قيمته أقل من قيمة الدينار الآخر ، فلما أجمع على صحة ذلك البيع ، وكانت السنة قد ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الذهب تبره وعينه سواء ، ثبت بذلك أن حكم الذهب في البيع إذا كان بذهب على غير القسمة على القيمة ، وأنه مخصوص في ذلك بحكم دون حكم سائر العروض المبيعة صفقة واحدة ، وأن ما يصيبه من الثمن هو وزنه لا ما يصيب قيمته ; فهذا هو ما يشهد لهذا القول من النظر .

                                                [ ص: 298 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 298 ] ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون ، وأراد بهم : الشعبي وحماد بن أبي سليمان والثوري والحسن بن حي ، وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا -رحمهم الله - فإنهم قالوا : إن هذه القلادة . . . . إلى آخر ما ذكره . وهو ظاهر .

                                                وتحقيق مذهب أبي حنيفة - رضي الله عنه - أن بيع القلادة المفضوضة يجوز إذا كان بأكثر مما فيها من الفضة كثرت فضتها أو قلت ، ولا يجوز مثلها أو أقل منها . وقال صاحب "البدائع " : إذا باع سيفا محلى بفضة أو جارية في عنقها طوق فضة بفضة مفردة ، والفضة المفردة أكثر ; جاز البيع ، وكان بحصة الفضة صرفا ، فيراعى فيه شرائط الصرف ، وبحصة الزيادة التي هي من خلاف جنسها بيعا مطلقا ، فلا يشترط له ما يشترط للصرف ، فإن وجد التقابض وهو القبض من الجانبين قبل التفرق بالأبدان يجب الصرف والبيع جميعا ، وإن لم يوجد أو وجد القبض من أحد الجانبين دون الآخر بطل الصرف ; لوجود الافتراق من غير قبض ، وهل يبطل البيع المطلق ؟ ينظر إن كانت الفضة المجموعة مع غيرها يمكن فصلها وتخليصها من غير ضرر ، كالجارية مع الطوق وغير ذلك ; فالبيع جائز ، وفساد الصرف لا يتعدى إلى البيع ، وإن كان لا يمكن فصلها وتخليصها إلا بضرر بطل البيع أيضا ; لأنه بيع ما لا يمكن تسليمه إلا بضرر ، وأنه لا يجوز ابتداء كبيع الجذع في السقف ونحو ذلك ، فكذا في حالة البقاء ، فإذا بطل العقد في قدر الصرف بطل في البيع أيضا .

                                                وقال ابن حزم : اتفق الحسن وإبراهيم والشعبي وقالوا : لا بأس بالسيف فيه الحلية والمنطقة والخاتم بأن يبتاعه بأكثر مما فيه أو بأقل ونسيئة .

                                                وقال المغيرة : سألت إبراهيم النخعي عن الخاتم أبيعه نسيئة ، فقال : أفيه فص ؟ فقلت : نعم ، فكأنه هون فيه .

                                                [ ص: 299 ] واتفق ابن سيرين وقتادة على أنه لا بأس بشراء السيف المفضض ، والخوان المفضض والقدح بالدراهم .

                                                وسأل شعبة حماد بن أبي سليمان عن السيف المحلى يباع بالدراهم ، فقال : لا بأس به ، وروي هذا أيضا عن سليمان بن موسى ومكحول ، وعن الشعبي : إن كانت الدارهم أكثر من الحلية فلا بأس به .

                                                وروي ذلك عن الحسن وإبراهيم والثوري . وقال الأوزاعي : إن كانت الحلية تبعا وكان الفضل في النصل جاز بيعه بنوعه نقدا وتأخيرا .

                                                قوله : "ويعلم أنه " أي أن الذهب الذي في القلادة .

                                                قوله : "وهو ذهب " أي والحال أنه ذهب .

                                                قوله : "وذلك " إشارة إلى الجواز الذي يدل عليه قوله : "فالبيع جائز " .

                                                قوله : "والدليل على ذلك " أي على ما ذكرنا من قولنا : "ولا يحتاج في ذلك إلى قسمة الثمن على القيمة . . . . " إلى آخره .

                                                قوله : "ورأيناهم " أي العلماء الذين اختلفوا في هذا الباب .

                                                قوله : "بيعا " على صيغة المجهول في محل النصب على الحال من قوله : "في دينارين " .

                                                قوله : "إذا لفسد البيع " أي حينئذ لفسد البيع .

                                                قوله : "وكانت السنة قد ثبتت " الواو فيه للحال ، ويجوز أن تكون بمعنى المصاحبة .

                                                قوله : "تبره وعينه " مرفوعان على أنهما بدلان من الذهب ، و"التبر " القطعة المأخوذة من المعدن .

                                                [ ص: 300 ] قوله : "فهذا هو " أي هذا الذي ذكرنا هو الذي يشهد لهذا القول ، أي قول أهل المقالة الثانية من النظر والقياس ، أراد بذلك أن السنة تشهد لهذا القول مع القياس . والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية