الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6095 ص: وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : على الإمام أن يحكم بينهم بأحكام المسلمين ، وكل ما وجب على الإمام أن يقيمه على المسلمين فيما أصابوا من الحدود وجب أن يقيمه على أهل الذمة ، غير ما يستحلونه في دينهم كشربهم الخمر وما أشبهه فإن ذلك يختلف حالهم فيه وحال المسلمين ; لأن المسلمين

                                                [ ص: 415 ] يعاقبون على ذلك ، وأهل الذمة لا يعاقبون عليه ، وخلا الرجم في الزنا فإنه لا يقام عندهم على أهل الذمة . لأن الأسباب التي يجب بها الإحصان في قولهم : أحدها الإسلام ، فأما ما سوى ذلك من العقوبات الواجبات في انتهاك الحرمات فإن أهل الذمة فيه كأهل الإسلام ، ويجب على الإمام أن يقيمه عليهم وإن لم يتحاكموا إليه ، كما يجب عليه أن يقيمه على أهل الإسلام وإن لم يتحاكموا إليه .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : خالف القوم المذكورين جماعة آخرون ، وأراد بهم : مجاهدا وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا والشافعي في قول .

                                                ولكن فيما بينهم خلاف من وجه آخر ، فقال أبو حنيفة : إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل ، فإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لا يحكم .

                                                وقال أبو يوسف ومحمد وزفر : بل يحكم .

                                                وكذلك اختلف أصحاب مالك على هذين القولين ، والمشهور من مذهب مالك في الذميين يشكو أحدهما ويأبى صاحبه من الحاكم عندنا أنه لا يحكم بينهما إلا بأن يتفقا جميعا على الرضى بحكمنا ، فإن كان ظلما ظاهرا منعوا بأن يظلم بعضهم بعضا .

                                                وقال مالك وجمهور أصحابه في الذمي والمعاهد والمستأمن يسرق من مال ذمي : أنه يقطع كما لو سرق من مال مسلم .

                                                وقال أبو عمر : إذا سرق الذمي من ذمي ولم يترافعوا إلينا فلا تعرض لهم عندنا ، وإن ترافعوا إلينا حكمنا عليهم بحكم الله بينهم ، وإذا سرق ذمي من مسلم كان الحكم حينئذ إلينا فوجب القطع .

                                                وقال أيضا : اختلف الفقهاء في اليهوديين الذمين إذا زنيا هل يحدان أم لا ؟ فقال مالك : إذا زنى أهل الذمة أو شربوا الخمر فلا يعرض لهم الإمام إلا أن يظهروا ذلك في ديار المسلمين ويدخلون عليهم الضرر ، فيمنعهم السلطان من الإضرار بالمسلمين .

                                                [ ص: 416 ] وقال الشافعي : إن تحاكموا إلينا فلنا أن نحكم أو ندع وإن حكمنا رجمنا المحصن ، وجلدنا البكر مائة وغربناه عاما ، واختار هذا القول جماعة من أصحابه ، وقال في كتاب الجزية : لا خيار للإمام ولا للحاكم إذا جاءوا في حد لله تعالى ، وعليه أن يقيمه عليهم .

                                                وهذا القول اختاره المزني .

                                                وقال أبو حنيفة وأصحابه : يحدان إذا زنيا كحد المسلم . انتهى .

                                                وقال أبو بكر الرازي في "الأحكام " قال أصحابنا : أهل الذمة يحكمون في البيوع والمواريث وسائر العقود على أحكام الإسلام كالمسلمين إلا في بيع الخمر والخنزير فإن ذلك جائز فيما بينهم ; لأنهم مقرون على أن يكون مالا لهم ولا نعلم خلافا بين الفقهاء فيمن استهلك لذمي خمرا : أن عليه قيمتها ، وقد روي أنهم كانوا يأخذون الخمر في العشور فكتب إليهم عمر - رضي الله عنه - أن ولوهم بيعها ، وخذوا العشر من أثمانها ، فهذان مال لهم يجوز تصرفهم فيهما ، وما عدا ذلك فهم محمولون على أحكامنا ، لقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم

                                                ثم قال : فهذا الذي ذكرناه مذهب أصحابنا في عقود المعاملات والتجارات والحدود ، وأهل الذمة والمسلمون فيها سواء ، إلا أنهم لا يرجمون ; لأنهم غير محصنين .

                                                واختلف أصحابنا في مناكحتهم فيما بينهم . فقال أبو حنيفة : هم مقرون على أحكامهم لا يعترض عليهم فيها إلا أن يرضوا بأحكامنا ، فإن تراضى بها الزوجان حملا على أحكامنا ، وإن أبي أحدهما لم يعترض عليهم ، فإن تراضيا جميعا حملهما على أحكام الإسلام إلا في النكاح بغير شهود والنكاح في العدة فإنه لا يفرق بينهم ، وكذلك إن أسلموا ، وقال محمد : إذا رضي أحدهما حملا جميعا على أحكامنا ، وإن أبوا ، إلا في النكاح بغير شهود فإنه يجيزه إذا تراضوا بها .

                                                [ ص: 417 ] وقال زفر : يحملون في النكاح بغير شهود على أحكامنا ، ولا نجيزه إذا تراضوا بها .




                                                الخدمات العلمية