الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه فلا بد من التزامه ولا يعتق إلا بأداء كل البدل لقوله عليه الصلاة والسلام { أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد } وقال عليه الصلاة والسلام { المكاتب عبد ما بقي عليه درهم } وفيه اختلاف الصحابة رضي الله عنهم ، وما اخترناه قول زيد بن ثابت رضي الله عنه ، [ ص: 157 ] ويعتق بأدائه وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به كما في البيع ، ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع .

التالي السابق


( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام { أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد } إلخ ) قال تاج الشريعة : فإن قلت : اختلاف الصحابة في المسألة وتكلمهم فيها بالرأي يدل على زيافة الحديث كما عرف ، ولهذا زيفنا ما روى أصحاب الشافعي أنه عليه الصلاة والسلام قال { ابتغوا في أموال اليتامى خيرا كي لا يأكلها الزكاة } في إيجاب الزكاة في مال الصبي بأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في هذه [ ص: 157 ] المسألة ولم يحتج أحد منهم بهذا الحديث . قلت : جاز أنه ما بلغ إليهم انتهى كلامه . أقول : في الجواب بحث ، لأنه مشترك الإلزام ، إذ يجري في كل موضع وقع فيه اختلاف الصحابة أن يقال : جاز إن لم يبلغ إليهم الحديث فيلزم أن لا يتم الاستدلال باختلاف الصحابة في مسألة وتكلمهم فيها بالرأي على زيافة حديث قط مع أنه خلاف ما عرف . والأظهر في الجواب أن يمنع كون اختلاف الصحابة في هذه المسألة بالرأي ، ويقال : يجوز أن يكون اختلافهم فيها باعتبار ورود حديث آخر بخلاف ذلك ، كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال { إذا أصاب المكاتب ميراثا ورث بحساب ما عتق منه } وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال { يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر ، وبما بقي دية عبد } كما ذكر في بعض الكتب ، والذي يدل على زيافة الحديث إنما هو اختلافهم بالرأي ، لأن استعمال الرأي في موضع النص لا يجوز على ما عرف في الأصول ( قوله ويعتق بأدائه وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به كما في البيع ) وعند الشافعي : لا يعتق ما لم يقل كاتبتك على كذا على أنك إن أديته إلي فأنت حر . قال كثير من الشراح : وحاصل الاختلاف بيننا وبينه راجع إلى تفسير الكتابة ، فعندنا تفسيرها شرعا ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة عند الأداء ، فكأنه قال : أوجبت حرية اليد في الحال وحرية الرقبة عند أداء المال ، ولو نص على هذا عتق عند الأداء ، كذا هذا . وعند الشافعي : تفسيرها ضم نجم إلى نجم ، ولو نص عليه بأن قال : ضربت عليك ألفا على أن تؤديها إلي كل شهر كذا لم يعتق ، كذا هذا انتهى كلامهم . وقال بعض الفضلاء بعد نقل هذا عن الحواشي الجلالية منقولا فيها عن المبسوط : لا يخفى عليك أن ما ذكر من الضم ليس بتفسير الكتابة بل موجب العقد كما نص عليه المصنف انتهى . أقول : تنصيص المصنف عليه ممنوع كما لا يخفى على الناظر في عبارته هاهنا ، بل لا يبعد أن يدعي تنصيصه على خلافه بعد صحيفة حيث قال : أما الخروج من يده فلتحقيق معنى الكتابة وهو الضم انتهى . ولئن سلم ذلك فكون الضم المذكور موجب العقد لا ينافي كونه تفسيرا للكتابة ، لأن موجب الشيء من لوازمه وتفسير الشيء بلازمه ليس بعزيز كما هو حال الرسوم عامة . ولئن سلم ذلك أيضا فيجوز أن يكون معنى قولهم راجع إلى تفسير الكتابة راجع إلى تفسير موجب الكتابة على حذف المضاف كما هو الطريقة الشائعة المسماة بالمجاز بالحذف ، ومنها قوله تعالى { وجاء ربك } أي أمر ربك وقوله تعالى { واسأل القرية } أي أهل القرية ، إلى غير ذلك فلا معنى لرد كلام الثقات بما هو وهم محض ( قوله ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع ) وقال الشافعي : يستحق عليه حط ربع البدل وهو قول عثمان رضي الله عنه لظاهر قوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } فإن الأمر المطلق للوجوب . والجواب أن دلالة الآية على ذلك ممنوعة لأنه قال من مال الله وهو [ ص: 158 ] يطلق على أموال القرب كالصدقات والزكوات ، فكأن الله تعالى أمرنا أن نعطي المكاتبين من صدقاتنا ليستعينوا به على أداء الكتابة ، والمأمور به الإيتاء وهو الإعطاء ، والحط لا يسمى إعطاء ، والمال الذي آتانا الله هو ما في أيدينا لا الوصف الثابت في ذمة المكاتبين ، فحمله على حط ربع بدل الكتابة عمل بلا دليل ، ولو سلم فالمراد به الندب كالذي في قوله { فكاتبوهم } لا يقال : القرآن في النظم لا يوجب القرآن في الحكم ، لأنا لم نجعل القرآن موجبا نقول : الأمر المطلق على قرينة غير الوجوب للوجوب ، وقوله { فكاتبوهم } قرينة لذلك . كذا في العناية . أقول : فيه نظر ، لأن قوله تعالى { فكاتبوهم } لا يصلح أن يكون قرينة لكون الأمر في قوله { وآتوهم } لغير الوجوب بدون ملاحظة إيجاب القرآن في نظم القرآن في الحكم ، إذ لا دلالة في مجرد كون أمر لغير الوجوب على كون أمر آخر أيضا لذلك حتى يجعل كون الأمر في قوله بعد { فكاتبوهم } للندب قرينة لكون الأمر في { وآتوهم } أيضا لذلك




الخدمات العلمية