الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 212 ] قال ( وإن مات المكاتب وله ولد من حرة وترك دينا وفاء بمكاتبته فجنى الولد فقضي به على عاقلة الأم لم يكن ذلك قضاء بعجز المكاتب ) لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة ، لأن من قضيتها إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم ، لكن على وجه يحتمل أن يعتق فينجر الولاء إلى موالي الأب ، والقضاء بما يقرر حكمه لا يكون تعجيزا ( وإن اختصم موالي الأم وموالي الأب في ولائه فقضى به لموالي الأم فهو قضاء بالعجز ) لأن هذا اختلاف في الولاء مقصودا ، وذلك ينبني على بقاء الكتابة وانتقاضها ، فإنها إذا فسخت مات عبدا واستقر [ ص: 213 ] الولاء على موالي الأم ، وإذا بقيت واتصل بها الأداء مات حرا وانتقل الولاء إلى موالي الأب ، وهذا فصل مجتهد فيه فينفذ ما يلاقيه من القضاء فلهذا كان تعجيزا .

التالي السابق


( قوله وإن مات المكاتب وله ولد من حرة إلخ ) قال صاحب العناية : ذكر هذه المسألة والتي بعدها لبيان الفرق بينهما انتهى . أقول : هذا كلام لا حاصل له ، لأن الفرق متحقق بين كل مسألتين ، وإلا لم تكونا مسألتين بل صارتا مسألة واحدة ، فكل مسألتين إذا ذكرتا يعرف الفرق بينهما ، فما وجه تخصيص علية بيان الفرق بذكر هاتين المسألتين ؟ فإن قيل : الفرق بين هاتين المسألتين خفي فكان بيانه أهم فيهما ولهذا خص عليته بذكرهما .

قلنا : خفاء الفرق متحقق في كثير من المسألتين كما لا يخفى ، فلم يتم وجه التخصيص ، وأيضا لو كان ذكرهما لمجرد بيان الفرق بينهما لما استحقت واحدة منهما للذكر منفردة عن الأخرى ، ولا شك أن كل واحدة منهما مسألة مهمة بنفسها مقصودة بالذكر والبيان ، وعلى أن الفرق بين مفهومي هاتين المسألتين ظاهر غني عن البيان ، وإنما المحتاج إلى البيان هو الفرق بين عليتهما ، وبين الفرق بين عليتهما إنما وقع في الهداية ، وهاتان المسألتان أنفسهما مذكورتان في البداية أيضا بدون بيان العلة ، فلم يكن ذكرهما لبيان الفرق بينهما بل كان لبيان حكمهما في أنفسهما ، ويفهم الفرق بينهما من حيث الحكم كما في سائر المسائل ( قوله لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة ، لأن من قضيتها إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم على وجه يحتمل أن يعتق فينجر الولاء إلى موالي الأب ، والقضاء بما يقرر حكمه لا يكون تعجيزا ) .

قال صاحب [ ص: 213 ] العناية في حل هذا المحل : لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة ، وكل ما يقرر شيئا لا يبطله . أما أنه يقرر حكم الكتابة فلأن الكتابة تستلزم إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم على وجه يحتمل أن يعتق المكاتب فينجر ولاء ابنه إلى مواليه ، لأن الولاء كالنسب والنسب إنما يثبت من قوم الأم عند تعذر إثباته من الأب ، حتى لو ارتفع المانع من إثباته منه ، كما إذا أكذب المكاتب الملاعن نفسه عاد النسب إليه فكذلك الولاء ، فكان إيجاب العقل من لوازمها ، وثبوت اللازم يقرر ثبوت ملزومه .

وأما أن كل ما يقرر شيئا لا يبطله فلئلا يعود على موضوعه بالنقض انتهى كلامه . أقول : في تقريره نوع إشكال على طريق أهل المعقول فإن قوله ثبوت اللازم يقرر ثبوت ملزومه ممنوع ، إذ لا يلزم من ثبوت اللازم ثبوت الملزوم لجواز أن يكون اللازم أعم من الملزوم ، ولا شك أن تحقق العام لا يستلزم تحقق الخاص ، والظاهر فيما نحن فيه عموم اللازم لأن إيجاب العقل على موالي الأم يتحقق في صورة أن يقضي بعجز المكاتب كما يتحقق في صورة أن يبقى على كتابته فلا يتم التقريب .

ثم أقول : يمكن دفعه بأن اللازم هاهنا ليس مطلق إيجاب العقل على موالي الأم ، بل إيجابه عليهم على وجه يحتمل أن يعتق المكاتب فيجر ولاء ابنه إلى مواليه وإيجابه عليهم على ذلك الوجه لازم مساو لصورة إبقاء الكتابة ، إذ في صورة القضاء بالعجز ينتفي هذا اللازم بانتفاء جزئه وهو احتمال جر الولاء كما صرح به في المسألة الآتية ، ولكن بقي هاهنا شيء ، وهو أن المانع أن يمنع ثبوت هذا اللازم المقيد فيما نحن فيه ، لأن ثبوته فيه يتوقف على أن لا يكون القضاء بموجب جناية الولد على عاقلة الأم قضاء بعجز المكاتب وهو أول المسألة ، فلا يخلو التعليل المذكور عن نوع المصادرة فتأمل




الخدمات العلمية