الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا يتزوج إلا بإذن المولى ) [ ص: 174 ] لأن الكتابة فك الحجر مع قيام الملك ضرورة التوسل إلى المقصود ، والتزوج ليس وسيلة إليه ، ويجوز بإذن المولى لأن الملك له ( ولا يهب ولا يتصدق إلا بالشيء اليسير ) لأن الهبة والصدقة تبرع وهو غير مالك ليملكه ، إلا أن الشيء اليسير من ضرورات التجارة لأنه لا يجد بدا من ضيافة وإعارة ليجتمع عليه المجاهزون .

ومن ملك شيئا يملك ما هو من ضروراته وتوابعه ( ولا يتكفل ) لأنه تبرع محض ، فليس من ضرورات التجارة والاكتساب ولا يملكه بنوعيه نفسا ومالا لأن كل ذلك تبرع ( ولا يقرض ) لأنه تبرع ليس من توابع الاكتساب ( فإن وهب [ ص: 175 ] على عوض لم يصح ) لأنه تبرع ابتداء ( وإن زوج أمته جاز ) لأنه اكتساب للمال فإنه يتملك به المهر فدخل تحت العقد .

قال ( وكذلك إن كاتب عبده ) والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي ، لأن مآله العتق والمكاتب ليس من أهله كالإعتاق على مال . وجه الاستحسان أنه عقد اكتساب للمال فيملكه كتزويج الأمة وكالبيع وقد يكون هو أنفع له من المبيع لأنه لا يزيل الملك إلا بعد وصول البدل إليه والبيع يزيله قبله ولهذا يملكه الأب والوصي ثم هو يوجب للمملوك مثل ما هو ثابت له . بخلاف الإعتاق على مال لأنه يوجب فوق ما هو ثابت له . قال : فإن أدى الثاني قبل أن يعتق الأول فولاؤه للمولى ، لأن له فيه نوع ملك . وتصح إضافة الإعتاق إليه في الجملة ، فإذا تعذر إضافته إلى مباشر العقد لعدم الأهلية أضيف إليه كما في العبد إذا اشترى شيئا ( فلو أدى الأول بعد ذلك وعتق لا ينتقل الولاء إليه ) لأن المولى جعل معتقا والولاء لا ينتقل عن المعتق ( وإن أدى الثاني بعد عتق الأول فولاؤه له ) لأن العاقد من أهل ثبوت الولاء وهو الأصل فيثبت له .

التالي السابق


( قوله لأن الكتابة فك الحجر مع قيام الملك ضرورة التوسل إلى المقصود والتزوج ليس وسيلة إليه ) قال بعض الفضلاء : تأمل هل يمكن تعميم هذا الدليل لعدم جواز تزويج المكاتبة نفسها ؟ وقال : ولا يخفى أنه لا يمكن انتهى .

أقول : بل يمكن تعميمه له ، إذ الظاهر أن مدار حكمه بأنه لا يمكن هو أن المكاتبة بتزويج نفسها تتملك المهر فيصير ذلك وسيلة إلى اكتساب المال الذي هو المقصود من الكتابة ، ومأخذ ذلك ما ذكره المصنف فيما سيأتي في تعليل مسألة جواز تزويج المكاتب أمته بقوله لأنه اكتساب المال فإنه يتملك به المهر فيدخل تحت العقد انتهى . لكنه ليس بتام ، فإن بين تزويج المكاتبة نفسها وتزويج المكاتب أمته فرقا كما صرحوا به في أثناء شرح مسألة تزويج المكاتب أمته فيما سيأتي ، وقد أوضحه صاحب النهاية حيث سأل هناك بأن المكاتب لما ملك تزويج أمته بهذه العلة ينبغي أن تملك المكاتبة تزويج نفسها لوجود هذه العلة فيها لأنها تكسب به المهر وتسقط نفقتها عن نفسها .

ومع ذلك ذكر في باب جناية رقيق المكاتب وولده من كتاب عتاق المبسوط أن المكاتبة لا تتزوج بغير إذن المولى . وأجاب بأن تزويج المكاتبة نفسها ليس لاكتساب المال بل للتحصين والعفة ، فإن مقصودها من تزويج نفسها شيء آخر سوى المال ، فلذلك لم يكن هذا العقد مما يتناوله الفك الثابت بالكتابة . وقال : وبهذا وقع الفرق بين هذا وبين تزويج الأمة ، وعزاه إلى المبسوط .

فتلخص من ذلك الجواب أن الدليل المذكور هاهنا يمكن تعميمه لعدم جواز تزويج المكاتبة نفسها أيضا كما لا يخفى تأمل تقف . نعم قول جماعة من الشراح وصاحب الكافي بعد قول المصنف والتزوج ليس وسيلة إليه بل فيه التزام المهر والنفقة يشعر باختصاص هذا الدليل بالمكاتب ، فإن التزام المهر والنفقة إنما يتصور في حق المكاتب دون المكاتبة ، لكن الكلام في إمكان تعميم الدليل الواقع في عبارة المصنف ، ثم إن الدليل الأظهر الخالي عن شائبة توهم الاختصاص بالمذكر ما ذكره صاحب البدائع حيث قال : ولا يجوز للمكاتب أن يتزوج [ ص: 175 ] بغير إذن مولاه ، وكذا المكاتبة لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر } لأن المولى يملك رقبة المكاتب والمكاتب يملك منافعه ومكاسبه فصار بمنزلة عبد مشترك بين اثنين أنه لا ينفرد واحدهما بالنكاح انتهى كلامه .

نعم ما ذكره من الدليلين بعبارته ورد في المذكر ولكن بدلالته يعم المؤنث أيضا لا محالة




الخدمات العلمية