الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : ( ولا الاستئجار على الأذان والحج ، وكذا الإمامة وتعليم القرآن والفقه ) والأصل أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليه عندنا . وعند الشافعي رحمه الله يصح في كل ما لا يتعين على الأجير ; لأنه استئجار على عمل معلوم غير متعين عليه فيجوز . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 98 ] { اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به } وفي آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن أبي العاص { وإن اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الأذان أجرا } ولأن القربة متى حصلت وقعت عن العامل ولهذا تعتبر أهليته فلا يجوز له أخذ الأجر من غيره كما في الصوم والصلاة ، ولأن التعليم مما لا يقدر المعلم عليه إلا بمعنى من قبل المتعلم فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه فلا يصح . وبعض مشايخنا استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن اليوم ; لأنه ظهر التواني في الأمور الدينية . ففي الامتناع تضييع حفظ القرآن وعليه الفتوى .

التالي السابق


( قوله : ولأن القربة متى حصلت وقعت على العامل إلخ ) أقول : ينتقض هذا بما ذكره المصنف في باب الحج عن الغير من كتاب الحج حيث قال : ثم ظاهر المذهب أن الحج يقع عن المحجوج عنه ، وبذلك تشهد الأخبار الواردة في الباب كحديث الخثعمية فإنه عليه الصلاة والسلام قال فيه { حجي عن أبيك واعتمري } فإن ذلك صريح في وقوع القربة عن غير العامل . قال صاحب الكافي في تقرير هذا الدليل : ولأن القربة متى وقعت يقع ثوابها للفاعل لا لغيره . ا هـ . أقول : يخالف هذا ما صرح به المصنف وصاحب الكافي أيضا في أول باب الحج عن الغير من أن الأصل أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة كانت أو صوما أو صدقة أو غيرها عند أهل السنة والجماعة ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم {أنه ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله تعالى وشهد له بالبلاغ } فجعل ثواب تضحية إحدى الشاتين لأمته . ا هـ فليتأمل .

( قوله : لأن التعليم مما لا يقدر المعلم عليه إلا بمعنى من قبل المتعلم فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه فلا يصح ) أقول : فيه بحث ; لأنه إن أريد أن المعلم لا يستقل في التعليم بشيء أصلا فهو ممنوع ، فإن التلقين والإلقاء فعل المعلم وحده لا مدخل فيه للمتعلم ، وإنما وظيفته الأخذ والفهم ، وإن أريد أن للمتعلم أيضا مدخلا في ظهور أثر التعليم وفائدته فإن المتعلم ما لم يأخذ ما ألقاه المعلم ولم يفهم ما لقنه لم يظهر لتعليمه أثر وفائدة فهو مسلم ، ولكن الذي يلتزمه المعلم إنما هو فعل نفسه مما يقدر عليه لا فعل الآخر ، ولا مانع من أخذ الأجرة على فعل نفسه كما لا يخفى . فإن قلت : التعليم والتعلم متحدان بالذات ، ومختلفان بالاعتبار على ما ذكر في بعض الكتب ، فيئول أخذ الأجرة على التعليم إلى أخذها على التعلم الذي هو فعل الغير . قلت : اتحاد التعليم والتعلم بالذات أمر غير واضح بل غير مسلم ، ولو سلم كفي التغاير الاعتباري لنا إذ لا شك في اختلاف التعليم والتعلم في كثير من الأحكام فليكن في أخذه الأجرة عليه كذلك فتأمل ( قوله : وبعض مشايخنا : استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن اليوم ; لأنه ظهر التواني في الأمور الدينية ، ففي الامتناع تضييع حفظ القرآن وعليه الفتوى ) أقول : فيما ذهب إليه هؤلاء المشايخ إشكال ، وهو أن مقتضى الدليل الثاني والدليل الثالث المارين آنفا أن لا يمكن تحقق ماهية الإجارة ، وهي تمليك المنافع بعوض [ ص: 99 ] في الاستئجار على تعليم القرآن ونظائره بناء على عدم القدرة على تسليم ما التزمه المؤجر من المنفعة ، فكيف يصح استحسان الاستئجار في هاتيك الصور ، وصحة استحسانه فرع إمكان تحقق ماهية الإجارة كما لا يخفى فليتأمل في دفع هذا الإشكال القوي لعله مما تسكب فيه العبرات إلا أن لا يسلم صحة ذينك الدليلين .




الخدمات العلمية