الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
. قال ( وإذا تقدم الشفيع إلى القاضي فادعى الشراء وطلب الشفعة سأل القاضي المدعى عليه ، فإن اعترف بملكه الذي يشفع به وإلا كلفه بإقامة البينة ) ; لأن اليد ظاهر محتمل فلا تكفي لإثبات الاستحقاق . قال رحمه الله : يسأل القاضي المدعي قبل أن يقبل على المدعى عليه عن موضع الدار وحدودها ; لأنه ادعى حقا فيها فصار [ ص: 386 ] كما إذا ادعى رقبتها ، وإذا بين ذلك يسأله عن سبب شفعته لاختلاف أسبابها ، فإن قال : أنا شفيعها بدار لي تلاصقها الآن تم دعواه على ما قاله الخصاف . وذكر في الفتاوى تحديد هذه الدار التي يشفع بها أيضا ، وقد بيناه في الكتاب الموسوم بالتجنيس والمزيد . قال ( فإن عجز عن البينة استحلف المشتري بالله ما يعلم أنه مالك للذي ذكره مما يشفع به ) معناه بطلب الشفيع ; لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به لزمه ، ثم هو استحلاف على ما في يده فيحلف على العلم ( فإن نكل أو قامت للشفيع بينة ثبت ملكه في الدار التي يشفع بها وثبت الجوار فبعد ذلك سأله القاضي ) يعني المدعى عليه ( هل ابتاع أم لا ، فإن أنكر الابتياع قيل للشفيع أقم البينة ) ; لأن الشفعة لا تجب إلا بعد ثبوت البيع وثبوته بالحجة . قال ( فإن عجز عنها استحلف المشتري بالله ما ابتاع أو بالله ما استحق عليه في هذه الدار شفعة من الوجه الذي ذكره ) فهذا على الحاصل ، والأول على السبب وقد استوفينا الكلام فيه [ ص: 387 ] في الدعوى ، وذكرنا الاختلاف بتوفيق الله ، وإنما يحلفه على البتات ; لأنه استحلاف فعل نفسه وعلى ما في يده أصالة ، وفي مثله يحلف على البتات . .

التالي السابق


( قوله وإذا بين ذلك يسأله عن سبب شفعته لاختلاف أسبابها ، فإن قال أنا شفيعها بدار لي تلاصقها تم دعواه ) قال صاحب العناية : قيل لم يتم بعد ، بل لا بد أن يسأله ويقول هل قبض المشتري المبيع أو لا ; لأنه لو لم يقبض لم تصح الدعوى على المشتري ما لم يحضر البائع ، ثم يسأله عن السبب ثم يقول له متى أخبرت بالشراء ليعلم أن المدة طالت أو لا ، فإن عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إذا تطاولت ، فالقاضي لا يلتفت إلى دعواه وعليه الفتوى .

وقال : وهذا لا يلزم المصنف ; لأنه ذكر أن الفتوى على قول أبي حنيفة في عدم البطلان بالتأخير . ثم قال : وقيل ثم بعد ذلك سأله عن طلب الإشهاد ، فإذا قال طلبت حين علمت إذ أخبرت عن غير لبث سأله عن طلب الاستقرار [ ص: 387 ] فإن قال طلبته من غير تأخير سأله عن المطلوب بحضرته هل كان أقرب إليه من غيره . فإن قال نعم فقد صحح دعواه ا هـ .

أقول : القائل صاحب النهاية أخذا من الذخيرة ، وتبعه بعض آخر من الشراح ، وقد غير صاحب العناية عبارتهم في النقل وأفسد . فإن عبارتهم كانت هكذا : ثم إذا سأله عن طلب المواثبة فقال طلبت حين علمت أو قال حين أخبرت من غير لبث سأله عن طلب الإشهاد هل طلب الإشهاد بعد ذلك من غير تأخير وتقصير ، فإن قال نعم سأله إن الذي طلبت بحضرته هل كان أقرب إليه من غيره ، فإن قال نعم تبين أن الإشهاد قد صح ، ثم إذا تبين ما يصح عنده الطلب فقد صحح دعواه ، إلى هنا عبارتهم .

وهذه العبارة هي المطابقة لما في الذخيرة ، وهي الصحيحة دون ما ذكره صاحب العناية في نقله ; لأنه عبر عن طلب المواثبة بطلب الإشهاد حيث قال : وقيل ثم بعد ذلك سأله عن طلب الاستقرار ، ولا يذهب عليك أن إطلاق طلب الإشهاد على طلب المواثبة يخالف اصطلاح الفقهاء جدا ، يظهر ذلك مما أحطت به خيرا في أقسام الطلب . وأيضا قد قيل فيما قبل سأله متى أخبرت [ ص: 388 ] بالشراء وكيف صنعت حين أخبرت بالشراء ، وقد نقله صاحب العناية أيضا فيما قبل ، فعلى تقدير أن يقال هاهنا ثم بعد ذلك سأله عن طلب الإشهاد ومراده طلب المواثبة يصير المعنى : ثم بعد السؤال عن طلب المواثبة سأله عن طلب المواثبة ; لأن سؤاله قبله بكيف صنعت حين أخبرت سؤال عن طلب المواثبة لا محالة فيلزم تكرار السؤال عن طلب المواثبة . بخلاف ما إذا قيل ثم إذا سأله عن طلب المواثبة سأله عن طلب الإشهاد كما وقع في عبارتهم ، فإنه لا يلزم حينئذ شيء من المحذورين المذكورين ، أما عدم المخالفة لاصطلاح الفقهاء فظاهر ، وأما عدم لزوم تكرار السؤال عن طلب المواثبة فإن الكلام إذ ذاك ملقى [ ص: 389 ] في صورة الشرطية فقدمها ، وهو قولهم إذا سأله عن طلب المواثبة إشارة إلى ما ذكروا فيما قبل السؤال بكيف صنعت حين أخبرت وليس فيه حكم جديد حتى يلزم التكرار تأمل تفهم




الخدمات العلمية