الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا جنى العبد فكاتبه مولاه ولم يعلم بالجناية ثم عجز فإنه يدفع أو يفدي ) لأن هذا موجب جناية العبد في الأصل ولم يكن عالما بالجناية عند الكتابة حتى يصير مختارا للفداء إلا أن الكتابة مانعة من الدفع ، فإذا زال عاد الحكم الأصلي ( وكذلك إذا جنى المكاتب ولم يقض به حتى عجز ) لما بينا من زوال المانع ( وإن قضى به عليه في كتابته ثم عجز فهو دين يباع فيه ) لانتقال الحق من الرقبة إلى قيمته بالقضاء ، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد ، وقد رجع أبو يوسف إليه ، وكان يقول أولا يباع فيه وإن عجز قبل القضاء ، وهو قول زفر لأن المانع من الدفع وهو الكتابة قائم وقت الجناية ، فكما وقعت انعقدت موجبة للقيمة كما في جناية [ ص: 216 ] المدبر وأم الولد .

ولنا أن المانع قابل للزوال للتردد ولم يثبت الانتقال في الحال فيتوقف على القضاء أو الرضا وصار كالعبد المبيع إذا أبق قبل القبض يتوقف الفسخ على القضاء لتردده واحتمال عوده ، كذا هذا ، بخلاف التدبير والاستيلاد لأنهما لا يقبلان الزوال بحال .

التالي السابق


( قوله ولنا أن المانع قابل للزوال لتردده ولم يثبت الانتقال في الحال فيتوقف على القضاء أو الرضا ) قال صاحب العناية : فإن قيل : قوله ولم يثبت الانتقال في الحال متنازع فيه ، لأن مذهب زفر رحمه الله أن جناية المكاتب تصير مالا في الحال من غير توقف على الرضا أو القضاء فما وجه [ ص: 217 ] أخذه في الدليل ؟ قلنا ظهوره ، فإن التردد في زوال المانع يمنع الانتقال لإمكان عود الموجب الأصلي ا هـ كلامه .

أقول : فيه بحث ، إذ لمانع أن يمنع أن مجرد التردد في زوال المانع يمنع الانتقال ، كيف وهذا التردد متحقق فيما إذا عجز بعد القضاء أيضا مع ثبوت الانتقال هناك بالاتفاق فلم لا يجوز أن لا يمنع هاهنا أيضا كما هو مذهب زفر وقول أبي يوسف أولا ؟ فمن أين يثبت الظهور ، ولو سلم أن مجرد التردد في زوال المانع يمنع الانتقال في الحال لزم أن يكون قول المصنف ولم يثبت الانتقال في الحال مستدركا بعد أن قال إن المانع قابل للزوال للتردد ، أو كان حقه أن يقول فلم يثبت الانتقال في الحال بالتفريع على ما قبله كما لا يخفى على ذي مسكة ، وكأن صاحب الكافي تنبه لهذا حيث قال : ولما كان المانع مترددا لم يثبت الانتقال عن الموجب الأصلي إلا بالقضاء أو الرضا .




الخدمات العلمية