الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 158 ] قال ( ويجوز أن يشترط المال حالا ويجوز مؤجلا ومنجما ) وقال الشافعي رحمه الله : لا يجوز حالا ولا بد من نجمين ، لأنه عاجز عن التسليم في زمان قليل لعدم الأهلية قبله للرق ، بخلاف السلم على أصله لأنه أهل للملك فكان احتمال القدرة ثابتا ، وقد دل الإقدام على العقد عليها فيثبت . ولنا ظاهر ما تلونا من غير شرط التنجيم ، ولأنه عقد معاوضة والبدل معقود به فأشبه الثمن في البيع في عدم اشتراط القدرة عليه ، بخلاف السلم على أصلنا لأن المسلم فيه معقود عليه فلا بد من القدرة عليه ، ولأن مبنى الكتابة على المساهلة فيمهله المولى ظاهرا ، بخلاف السلم لأن مبناه على المضايقة وفي الحال كما امتنع من الأداء يرد إلى الرق .

التالي السابق


( قوله بخلاف السلم على أصله لأنه أهل للملك فكان احتمال القدرة ثابتا ، وقد دل الإقدام على العقد عليها فيثبت ) قال صاحب العناية : ولقائل أن يقول : احتمال القدرة في حق المكاتب أثبت ، لأن المسلمين مأمورون بإعانته ، والطرق متسعة استدانة واستقراض واستيهاب واستعانة بالزكوات والكفارات والعشور والصدقات ، وقد دل الإقدام على العقد عليها فتثبت انتهى ، واقتفى أثره الشارح العيني . أقول : هذا السؤال ليس بوارد ، لأنه إن أريد به أن احتمال القدرة قبل العقد أثبت في حق المكاتب فليس بذاك قطعا ، إذ لا أهلية فيه للملك قبل العقد قط ، فأنى يثبت له احتمال القدرة على المال قبله ، فإن [ ص: 159 ] أريد به أن احتمال القدرة عقيب العقد أثبت في حقه فهو مسلم ، ولكن لا يجدي نفعا لأن مدار فرق الشافعي بين الكتابة وبين السلم على أصله إنما هو ثبوت احتمال القدرة على المبيع للعاقد قبل العقد في السلم لكون العاقد فيه أهلا للملك قبل العقد ، بخلاف الكتابة فإن العاقد فيها ليس بأهل للملك قط قبل العقد فلا يتصور ثبوت احتمال القدرة على البدل له قبل العقد ، وهذا أمر ضروري لا مجال لإنكاره ، فلا وجه للمناقشة فيه كما فعله الشارحان المزبوران . والحق في الجواب عما قاله الشافعي هاهنا أن يسلك طريقة القول بالموجب فيقال : سلمنا أن العقد قبل عقد الكتابة لا يملك شيئا من الأموال ولا يقدر عليه لعدم أهليته للملك قبله ، ولكن ثبوت الملك والقدرة عليه حال العقد إنما يشترط في حق المعقود عليه دون المعقود به ، ألا يرى أن المفلس لو اشترى أموالا عظيمة يصح شراؤه وإن لم يكن هو مالكا لشيء من الثمن وبدل الكتابة معقود به فلا يلزم أن يكون العبد مالكا له حال عقد الكتابة ، بخلاف المسلم فيه فإنه معقود عليه ، وقد أشار إليه المصنف فيما بعد حيث قال : ولأنه عقد معاوضة والبدل معقود به فأشبه الثمن في البيع في عدم اشتراط القدرة عليه ، بخلاف السلم على أصلنا لأن المسلم فيه معقود عليه فلا بد من القدرة [ ص: 160 ] عليه ا هـ تدبر




الخدمات العلمية