الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة ولم يجز بيعها ) ومعناه إذا كان معها ولدها ، أما دخول الولد في الكتابة فلما ذكرناه . وأما امتناع بيعها فلأنها تبع للولد في هذا الحكم ، قال عليه الصلاة والسلام { أعتقها ولدها } وإن لم يكن معها ولدها فكذا الجواب في قول أبي يوسف ومحمد لأنها أم ولد خلافا لأبي حنيفة . [ ص: 182 ]

وله أن القياس أن يجوز بيعها وإن كان معها ولد لأن كسب المكاتب موقوف فلا يتعلق به ما لا يحتمل الفسخ ، إلا أنه يثبت به هذا الحق فيما إذا كان معها ولد تبعا لثبوته في الولد بناء عليه ، وبدون الولد لو ثبت ثبت ابتداء والقياس ينفيه ( وإن ولد له ولد من أمة له دخل في كتابته ) لما بينا في المشترى ( وكان حكمه كحكمه وكسبه له ) لأن كسب الولد كسب كسبه ويكون كذلك قبل الدعوة فلا ينقطع بالدعوة اختصاصه ، وكذلك إن ولدت المكاتبة ولدا لأن حق امتناع البيع ثابت فيها مؤكدا فيسري إلى الولد كالتدبير والاستيلاد .

[ ص: 180 ]

التالي السابق


[ ص: 180 ] فصل )

لما فرغ من ذكر مسائل وقوع الكتابة بطريق الأصالة شرع في ذكر مسائل وقوعها بسبيل التبعية وما يتبعها لأن التبع يتلو [ ص: 181 ] الأصل ( قوله وإذا اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة ولم يجز بيعها ) هذا لفظ القدوري . قال المصنف : ومعناه إذا كان معها ولدها .

وقال صاحب العناية في شرح المقام : امرأة المكاتب القنة إذا ولدت قبل أن يملكها المكاتب بوجه من الوجوه فملكها فإن ملكها مع الولد فليس له أن يبيعها بالاتفاق . أقول : في عبارته خلل ، لأن القنة بالتاء في وصف المرأة تخالف اللغة ، إذ قد تقرر في كتب اللغة عامة أن لفظ القن يستوي فيه الاثنان والجمع والمؤنث حيث قال صاحب المغرب : وأما أمة قنة فلم أسمعه ا هـ .

( قوله وأما امتناع بيعها فلأنها تبع للولد في هذا الحكم قال عليه الصلاة والسلام { أعتقها ولدها } ) قال تاج الشريعة : فإن قلت : إذا ثبت للولد حقيقة الحرية يثبت للأم حقها وهاهنا يثبت للولد حق الحرية فينبغي أن لا يثبت للأم حقها تحقيقا لانحطاط رتبتها عن الولد . قلت : للكتابة أحكام : منها عدم جواز البيع فيثبت للأم هذا الحكم دون الكتابة تحقيقا لانحطاط الرتبة .

فإن قلت : لم لا تصير مكاتبة تبعا للولد ؟ قلت : لأن العقد ما ورد عليها ا هـ . أقول : فيه نظر ، لأن عدم ورود العقد عليها لا يقتضي أن لا تصير مكاتبة تبعا للولد ، وإنما يقتضي أن لا تصير مكاتبة أصالة ، ألا يرى أن المكاتب إذا اشترى أباه دخل أبوه في كتابته ويصير مكاتبا تبعا لولده كما مر ، مع أن العقد ما ورد على الأب هناك أيضا قطعا . فالصواب في الجواب عن السؤال الثاني أن يقال : إنما لا تصير مكاتبة تبعا لولده تحقيقا لانحطاط رتبتها عن ولدها في حق الحرية ، ألا يرى أنها لا تصير حرة في الحال تبعا لحرية ولدها في الحال بل يثبت لها عتق مؤجل بموت سيدها على ما عرف في موضعه ، فكذا لا تصير مكاتبة تبعا لولدها بل يثبت لها بعض أحكام الكتابة كما ذكر في الجواب عن السؤال الأول ، بخلاف الأب إذا ملكه [ ص: 182 ] ولده فإنه يدخل في عين حرية ولده سواء كانت حقيقة الحرية أو حقها تحقيقا للصلة بقدر الإمكان على ما مر .

ثم قال تاج الشريعة : فإن قلت : العقد ما ورد على الولد أيضا . قلت : ورد على المكاتب والولد جزؤه فيكون واردا عليه بخلاف الأمة ا هـ . أقول : فيه أيضا نظر ، لأن كون قرابة الولد قرابة جزئية لا يقتضي أن يكون ورود العقد على الأب ورودا على الولد أيضا وإلا يلزم أن تكون كتابة الولد أيضا فيما نحن فيه أصالة لا تبعا لوالده فلا يصح قول المصنف : أما دخول الولد في الكتابة فلما ذكرنا كما لا يخفى . ويلزم أيضا أن لا يثبت .

فرق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بين ما إذا كان معها ولدها في الاشتراء وبين ما إذا لم يكن ولدها معها فيه تدبر تقف ( قوله وله أن القياس أن يجوز بيعها وإن كان معها ولد ، إلى قوله : وبدون الولد لو ثبت ثبت ابتداء والقياس ينفيه ) قال صاحب العناية : ولقائل أن يقول : القياس كما ينفيه ابتداء ينفيه مع الولد على ما ذكر في أول الدليل ، فتخصيص نفيه بالابتداء مع أنه مناف لصدر الكلام تحكم .

والجواب أنه ليس بتحكم وإنما هو من باب الاستحسان بالأثر وهو قوله صلى الله عليه وسلم { أعتقها ولدها } ولا شك أن الولد إنما يعتق الأم إذا ملكه الأب . وقوله والقياس ينفيه : يعني ولا نص فيه يترك به القياس ، بخلاف ما إذا كان معها ولدها ، إلى هنا كلامه .

أقول : في الجواب بحث ، وهو أن الأثر المذكور لا يفرق بين ما إذا كان معها ولدها وبين ما إذا لم يكن معها ولد ، بل هو بظاهر إطلاقه يتناول الصورتين معا ، فقوله ولا شك أن الولد إنما يعتق الأم إذا ملكه الأب إن أراد أن الأثر المذكور يدل عليه فهو ممنوع جدا ، وإن أراد به أن ذلك المعنى ثابت مقرر بدون دلالة الأثر المذكور عليه فهو يؤدي إلى المصادرة إذ هو أول المسألة ، فإن الإمامين لم يقبلاه فلهذا لم يجوزا بيع المكاتب امرأته المشتراة التي ولدت منه قبل أن يملكها بناء على أنها أم ولد له وإن لم يملك ولدها [ ص: 183 ] قط ، على أن قوله ولا شك أن الولد إنما يعتق الأم إذا ملكه الأب ليس بتام على قول أصحابنا جميعا ، لأنه إن أراد بالملك في قوله إذا ملكه الأب ملك اليمين فهو ليس بشرط في إعتاق الولد أمه عند أحد من الفقهاء ، ألا يرى أن الحر إذا استولد أمة نفسه لا يجوز بيعها بالأثر المزبور بعينه مع أن الولد هناك ليس بمملوك للأب ملك اليمين بلا ريب ، وإن أراد بذلك ملك التصرف في أمره بالولاية عليه فهو أيضا ليس بشرط في إعتاق الولد أمه عند أصحابنا ، فإن من استولد أمة غيره بنكاح ثم ملكها صارت أم ولد له عند أصحابنا جميعا على ما مر في باب الاستيلاد من كتاب العتاق فلا يجوز بيعها عندهم ، مع أن التصرف في أمر ذلك الولد في الولاية عليه إنما هو لذلك الغير الذي كان مولى ذلك الولد بسبب أن كانت الأمة مملوكة له عند الاستيلاد لا لأبيه ، فظهر أن قوله ولا شك أن الولد إنما يعتق الأم إذا ملكه الأب ليس بتام على كل حال




الخدمات العلمية