الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( من تزوج من العجم بمعتقة من العرب فولدت له أولادا ) فولاء أولادها لمواليها عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قول محمد رحمه الله . وقال أبو يوسف : حكمه حكم أبيه ، لأن النسب إلى الأب كما إذا كان الأب عربيا ، بخلاف ما إذا كان الأب عبدا لأنه هالك معنى [ ص: 225 ] ولهما أن ولاء العتاقة قوي معتبر في حق الأحكام حتى اعتبرت الكفاءة فيه ، والنسب في حق العجم ضعيف فإنهم ضيعوا أنسابهم ولهذا لم تعتبر الكفاءة فيما بينهم بالنسب ، والقوي لا يعارضه الضعيف ، بخلاف ما إذا كان الأب عريبا لأن أنساب العرب قوية معتبرة في حكم الكفاءة والعقل ، كما أن تناصرهم بها فأغنت عن الولاء .

قال رضي الله عنه : الخلاف في مطلق المعتقة والوضع في معتقة العرب وقع اتفاقا

التالي السابق


( قوله بخلاف ما إذا كان الأب عبدا لأنه هالك معنى ) لأنه لا يملك شيئا ، ولأن الرق أثر الكفر والكفر موت حكمي ، قال الله تعالى { أو من كان ميتا فأحييناه } أي كافرا فهديناه ، فصار هذا الولد كأنه لا أب له فينسب إلى موالي الأم ضرورة ، كذا في الشروح .

أقول : هاهنا شيء وهو أنه إن كان المراد بكون العبد هالكا معنى أنه في حكم الميت كما هو الظاهر من قولهم لأن الرق من أثر الكفر ، والكفر موت حكمي يرد عليه أن مجرد موت الأب لا يمنع ثبوت الولاء لمواليه ، بل إنما يظهر أثر الولاء لهم بعد موته ، إذ عند حياته هو مقدم عليهم ، وإن كان المراد بذلك أنه في حكم مجهول الأبوة وأن ولده في حكم مجهول النسب كما هو المتبادر من قولهم فصار هذا الولد كأنه لا أب له يتجه عليه أنه يلزم حينئذ أن لا يرث من هذا الولد من ينتمي إليه بأبيه العبد من الأقارب الأحرار كالأجداد والجدات على تقدير أن يبقى أبوه ذلك عبدا لكونه في حكم مجهول النسب على الفرض المزبور ، والظاهر أن الأمر ليس كذلك إذ قد تقرر في كتب الفرائض أن المحروم عن الميراث كالكافر والقاتل والرقيق لا يحجب من هو أبعد منه عند أئمتنا جميعا ، بل يرث الأبعد عند حرمان الأقرب ، فالأولى هاهنا أن يقال بخلاف ما إذا كان الأب عبدا [ ص: 225 ] لأنه لا أهلية له لرقه كما مر ، فما لم تحصل الأهلية له بزوال رقه لا يثبت الولاء له ولا لمواليه سواء كان حيا أو ميتا تدبر .

( قوله ولهما أن ولاء العتاقة قوي معتبر في حق الأحكام حتى اعتبرت الكفاءة فيه ، والنسب في حق العجم ضعيف ، فإنهم ضيعوا أنسابهم ولهذا لم تعتبر الكفاءة فيما بينهم بالنسب ، والقوي لا يعارضه الضعيف ) أقول : لقائل أن يقول : ظاهر هذا التعليل يقتضي أن يكون موالي الأم في هذه الصورة مقدمين في الإرث على العصبات النسبية لأولادها ، بل على أصحاب الفرائض لهم ، إذ لا شك أن استحقاق كل من العصبات النسبة وأصحاب الفرائض بالقرابة النسبية ، وإذا كان النسب في حق العجم ضعيفا لا يصلح [ ص: 226 ] أن يعارض ولاء العتاقة قد يرى أن لا يعارض أحد من العجم في الإرث بجهة نسبه سواء كانت تلك الجهة جهة العصوبة أو جهة الفرض موالي العتاقة لقوة ولاء العتاقة وضعف النسب في حق العجم ، ومع أن المسألة في الإرث ليست كذلك ، إذ قد تقرر [ ص: 227 ] في كتب الفرائض وسيجيء في نفس هذا الكتاب أيضا أن موالي العتاقة مطلقا مؤخرون في الإرث عن أصحاب الفرائض وعن العصبات النسبية ، وإنما يقدمون على ذوي الأرحام فليتأمل في التوجيه .




الخدمات العلمية