الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل قال ( وإذا بنى المشتري فيها أو غرس ثم قضي للشفيع بالشفعة فهو بالخيار ، إن شاء أخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس ، وإن شاء كلف المشتري قلعه ) وعن أبي يوسف أنه لا يكلف القلع ويخير بين أن يأخذ بالثمن وقيمة البناء والغرس وبين أن يترك ، وبه قال الشافعي ، إلا أن عنده له أن يقلع ويعطي قيمة البناء لأبي يوسف أنه محق في البناء لأنه بناه على أن الدار ملكه ، والتكليف بالقلع من أحكام العدوان وصار كالموهوب له والمشتري شراء فاسدا ، وكما إذا زرع المشتري فإنه لا يكلف القلع ، وهذا لأن في إيجاب الأخذ بالقيمة دفع أعلى الضررين بتحمل الأدنى فيصار إليه ووجه ظاهر الرواية أنه بنى في محل تعلق به حق متأكد للغير [ ص: 399 ] من غير تسليط من جهة من له الحق فينقض كالراهن إذا بنى في المرهون ، وهذا لأن حقه أقوى من حق المشتري لأنه يتقدم عليه وهذا ينقض بيعه وهبته وغيره من تصرفاته ، بخلاف الهبة والشراء الفاسد عند أبي حنيفة ، لأنه [ ص: 400 ] حصل بتسليط من جهة من له الحق ، ولأن حق الاسترداد فيهما ضعيف ولهذا لا يبقى بعد البناء ، وهذا الحق يبقى فلا معنى لإيجاب القيمة كما في الاستحقاق ، والزرع يقلع قياسا .

[ ص: 401 ] وإنما لا يقلع استحسانا لأن له نهاية معلومة ويبقى بالأجر وليس فيه كثير ضرر ، وإن أخذه بالقيمة يعتبر قيمته مقلوعا كما بيناه في الغصب ( ولو أخذها الشفيع فبنى فيها أو غرس ثم استحقت رجع بالثمن ) لأنه تبين أنه أخذه بغير حق ولا يرجع بقيمة البناء والغرس ، لا على البائع إن أخذها منه ، ولا على المشتري إن أخذها منه وعن أبي يوسف أنه يرجع لأنه متملك عليه فنزلا منزلة البائع والمشتري ، والفرق على ما هو المشهور أن المشتري مغرور من جهة البائع ومسلط عليه من جهته ، ولا غرور ولا تسليط في حق الشفيع من المشتري لأنه مجبور عليه [ ص: 402 ] قال ( وإذا انهدمت الدار أو احترق بناؤها أو جف شجر البستان بغير فعل أحد فالشفيع بالخيار ، إن شاء أخذها بجميع الثمن ) لأن البناء والغرس تابع حتى دخلا في البيع من غير ذكر فلا يقابلهما شيء من الثمن ما لم يصر مقصودا ولهذا جاز بيعها مرابحة بكل الثمن في هذه الصورة ، بخلاف ما إذا غرق نصف الأرض حيث يأخذ الباقي بحصته لأن الفائت بعض الأصل قال .

( وإن شاء ترك ) لأن له أن يمتنع عن تملك الدار بماله قال ( وإن نقض المشتري البناء قيل للشفيع إن شئت فخذ العرصة بحصتها ، وإن شئت فدع ) لأنه صار مقصودا بالإتلاف فيقابله شيء من الثمن ، بخلاف الأول لأن الهلاك بآفة سماوية ( وليس للشفيع أن يأخذ النقض ) لأنه صار مفصولا فلم يبق تبعا قال ( ومن ابتاع أرضا وعلى نخلها ثمر أخذها الشفيع بثمرها ) ومعناه إذا ذكر الثمر في البيع لأنه لا يدخل من غير ذكر ، وهذا الذي ذكره استحسان وفي القياس لا يأخذه لأنه ليس يتبع ; ألا يرى أنه لا يدخل في البيع من غير ذكر فأشبه المتاع في الدار . وجه الاستحسان أنه باعتبار الاتصال صار تبعا للعقار كالبناء في الدار ، وما كان مركبا فيه فيأخذه الشفيع قال ( وكذلك إن ابتاعها وليس في النخيل ثمر فأثمر في يد المشتري ) يعني يأخذه الشفيع لأنه مبيع تبعا لأن البيع سرى إليه على ما عرف في ولد المبيع قال ( فإن جده المشتري ثم جاء الشفيع لا يأخذ الثمر في الفصلين جميعا ) لأنه لم يبق تبعا للعقار وقت الأخذ حيث صار مفصولا عنه فلا يأخذه [ ص: 403 ] قال في الكتاب ( وإن جده المشتري سقط عن الشفيع حصته ) قال رضي الله عنه ( وهذا جواب الفصل الأول ) لأنه دخل في البيع مقصودا فيقابله شيء من الثمن ( أما في الفصل الثاني يأخذ ما سوى الثمر بجميع الثمن ) لأن الثمر لم يكن موجودا عند العقد فلا يكون مبيعا إلا تبعا فلا يقابله شيء من الثمن والله أعلم

التالي السابق


( فصل )

مسائل هذا الفصل مبنية على تغير المشفوع إما بالزيادة أو بالنقصان بنفسه أو بفعل الغير ، فلما كان المتغير فرعا على غير المتغير كان جديرا بالتأخير في فصل على حدة

( قوله وهذا لأن في إيجاب الأخذ بالقيمة دفع أعلى الضررين بتحمل الأدنى فيصار إليه ) قال صاحب النهاية في تفسير قول المصنف وهذا : أي وهذا المدعي الذي قلنا وهو أن لا يكلف المشتري بقلع [ ص: 399 ] البناء انتهى وبذلك المعنى فسره سائر الشراح أيضا ولكن بعبارات شتى فقال صاحب العناية : أي ما قلنا إنه لا يكلف ، وقال صاحب الكفاية : أي قول أبي يوسف إنه لا يكلف المشتري قلع البناء وقال صاحب معراج الدراية : أي القول بعدم إيجاب القلع ووجوب قيمة البناء والغرس وقال الشارح العيني : أي ما قلنا من عدم إيجاب القلع ووجوب قيمة البناء والغرس . أقول : لقائل أن يقول : قد تلخص من جملة ذلك : أي المشار إليه بكلمة هذا في قوله ( وهذا لأن في إيجاب الأخذ بالقيمة إلخ ) أصل مدعى أبي يوسف فيلزم أن يكون قوله ( لأن في إيجاب الأخذ بالقيمة إلخ ) دليلا عليه ، فينبغي أن يقول : ولأن في إيجاب الأخذ بالقيمة إلخ على ما هو الطريق المعهودة عند تعدد الأدلة والجواب أن من عادة المصنف في كتابه هذا أنه إذا أراد أن يبين لمية مسألة بعد بيان إنيتها سلك هذا المسلك إيماء إلى أن مفاد الدليلين مختلف من حيث الإنية واللمية وإن كان أصل المدعى واحدا وكأنهما صارا دليلين على شيئين مختلفين فليكن هذا على ذكر منك فإنه ينفعك في مواردها وقد كنت نبهت عليه من قبل أيضا فلا تغفل

( قوله وهذا لأن حقه أقوى من حق المشتري لأنه يتقدم عليه ) أقول : هنا كلام ، وهو أن المصنف قال قبل باب طلب الشفعة في تعليل قوله تملك بالأخذ إذا سلمها المشتري أو حكم بهما حاكم ، لأن الملك للمشتري قد ينتقل إلى الشفيع إلا بالتراضي أو بقضاء القاضي وبين ذاك وما قال هنا تدافع ، فإن المتفهم فيما ذكره هناك تقدم المشتري على الشفيع حيث يثبت الملك أولا للمشتري ثم يثبت منه إلى الشفيع بالتراضي أو بقضاء القاضي ، وما ذكره هنا صريح في تقدم الشفيع على المشتري فما التوفيق ؟ . والجواب أن المراد بما ذكره هاهنا تقدم الشفيع على المشتري في الاستحقاق ، وبما ذكره هناك تقدم المشتري على الشفيع في الملك ، والتملك مغاير للاستحقاق ومؤخر عنه ، إذ قد تقرر فيما قبل باب طلب الشفعة أن للشفعة أحوالا ثلاثة : الاستحقاق ، والاستقرار ، والتملك ، وأن الأول يثبت باتصال الملك لشرط البيع ، والثاني بالإشهاد ، والثالث بالأخذ بالتراضي أو بقضاء القاضي ، فلا تدافع بين الكلامين في المقامين إذ كون الشفيع أقدم في الاستحقاق لا ينافي كون المشتري أقدم في التملك كما لا يخفى

( قوله بخلاف الهبة وبخلاف الشراء الفاسد عند أبي حنيفة ) وقال جماعة من الشراح : إن قول المصنف بخلاف الهبة متصل بقوله من غير تسليط من جهة من له الحق ، فإن فيها تسليطا من جهته أقول : فيه بحث ، لأن المصنف علل الخلاف المذكور بوجهين : أحدهما قوله لأنه حصل بتسليط من جهة من له الحق وثانيهما قوله ولأن حق الاسترداد فيهما ضعيف ، فلو كان قوله بخلاف الهبة متصلا بما ذكره هؤلاء الشراح لما صح تعليل الخلاف المذكور بالوجه الثاني لأنه إن كانت علة كون حق الاسترداد فيهما ضعيفا وكون التسليط فيهما من جهة من له الحق كان راجعا إلى الوجه الأول فلا معنى لجعله وجها آخر معطوفا على الأول ، وإن لم تكن علة ذلك كون التسليط فيهما من جهة من له الحق فلا يصلح أن يكون تعليلا للخلاف المتصل بقوله من غير تسليط من جهة من له الحق فالحق عندي أن قوله بخلاف الهبة إلخ متصل بمجموع ما ذكر من وجه ظاهر الرواية فالمعنى أن مضمون هذا الوجه ملابس بخلاف الهبة وبخلاف الشراء الفاسد ، فحينئذ يكون التعليل بقوله لأنه حصل بتسليط من جهة من له الحق ناظرا إلى قوله في وجه ظاهر الرواية من غير تسليط من جهة من له الحق ، ويكون [ ص: 400 ] التعليل بقوله ولأن حق الاسترداد فيهما ضعيف ناظرا إلى قوله فيه لأن حقه أقوى من حق المشتري فيتم التعليلان معا بلا غبار وقال جمهور الشراح : إنما قيد بقوله عند أبي حنيفة رحمه الله لأن عدم جواز الاسترداد والبائع في الشراء الفاسد إذا بنى المشتري فيما اشتراه إنما هو على قول أبي حنيفة ، وأما عندهما فله الاسترداد بعد البناء كالشفيع في ظاهر الرواية انتهى .

أقول : لقائل أن يقول : إذا جاز عندهما الاسترداد بعد البناء في الشراء الفاسد أيضا فكيف يتم قياس أبي يوسف في دليله المذكور في مسألتنا هذه بقوله وصار كالموهوب له والمشتري شراء فاسدا ، فإن جواز الاسترداد في الشراء الفاسد ينافي قياس المشتري في مسألتنا هذه على المشتري شراء فاسدا في أنه لا يكلف القلع كما هو مذهب أبي يوسف هنا فإن قلت : يجوز أن يكون مراده بقوله والمشتري شراء فاسدا في دليله المذكور مجرد الاحتجاج على أبي حنيفة بمذهبه في الشراء الفاسد كما أفصح عنه صاحب غاية البيان حيث قال في شرح قوله والمشتري شراء فاسدا : هذا احتجاج من أبي يوسف على أبي حنيفة بمذهب أبي حنيفة قلت : ذلك بعيد عن عبارة الكتاب جدا لأن قياسه المزبور لم يذكر بصدد الجواب عما قاله صاحباه ، بل ذكر بصدد إثبات مدعاه ، فكيف يصلح أن يكون لمجرد الاحتجاج على الخصم سيما على أبي حنيفة فقط من مذهبه في الشراء الفاسد ثم أقول : الأوجه في التوجيه أن يقال : إن لأبي يوسف في البناء بعد الشراء الفاسد قولين : أحدهما أن للبائع حق استرداد المبيع بعد ذلك وقد ذكره المصنف في فصل أحكام البيع الفاسد من كتاب البيوع .

وثانيهما : أنه ليس للبائع ذلك كما قاله أبو حنيفة وقد نقله صاحب العناية هناك عن الإيضاح حيث قال : وذكر في الإيضاح أن قول أبي يوسف هذا قوله الأول وقوله آخرا مع أبي حنيفة ا هـ وكذا لأبي يوسف في مسألتنا هذه قولان : أحدهما ما ذكره المصنف بقوله وعن أبي يوسف أنه لا يكلف القلع إلخ ، وهذا ما رواه الحسن بن زياد وثانيهما مثل ما قاله أبو حنيفة ومحمد وزفر وهو الذي ذكر في الكتاب بأن قال فهو بالخيار إن شاء أخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس ، وإن شاء كلف المشتري قلعه ، وهذا رواية محمد عن أبي يوسف ورواية ابن سماعة وبشر بن الوليد وعلي بن الجعد والحسن بن أبي مالك عنه ، صرح بذلك كله أبو الحسن الكرخي في مختصره وذكر في غاية البيان : وإذا قد كان الأمر كذلك فيجوز أن يكون قياس أبي يوسف بقوله والمشتري شراء فاسدا في الاستدلال على أحد قوليه في هذه المسألة مبنيا على قوله الآخر من قوليه في مسألة البناء بعد الشراء الفاسد ، وهو أن لا يكون للبائع حق الاسترداد كما هو قول أبي حنيفة فيها ، ويكون تقييد المصنف قوله وبخلاف الشراء الفاسد بقوله عند أبي حنيفة احترازا عن قول محمد وعن أحد قولي أبي يوسف فيها وهو قوله الأول كما عرفت فتدبر

( قوله ولهذا لا يبقى بعد البناء وهذا الحق يبقى ) قال صاحب [ ص: 401 ] غاية البيان : هذا إيضاح لضعف حق الاسترداد في الهبة والشراء الفاسد ، ولكن فيه نظر لأن الاسترداد بعد البناء في الشراء الفاسد إنما لا يبقى على مذهب أبي حنيفة لا على مذهب أبي يوسف فكيف يحتج بمذهب أبي حنيفة على صحة مذهبه ، ولأبي يوسف أن يقول : هذا مذهبك لا مذهبي ، وعندي حق الاسترداد بعد البناء باق في الشراء الفاسد ا هـ .

أقول : نظره ساقط جدا ، لأن هذا الإيضاح من متفرعات قوله بخلاف الهبة وبخلاف الشراء الفاسد ، وقوله ذلك جواب عن قياس أبي يوسف على الموهوب له والمشتري شراء فاسدا كما صرح به ذلك الناظر وغيره ، وقياسه على المشتري شراء فاسدا إنما يتم على القول بعدم بقاء حق الاسترداد للبائع بعد أن بنى المشتري شراء فاسدا ، فإن كان مراده بقياسه المذكور إثبات مدعاه كما هو الظاهر من عبارة الكتاب على ما نبهنا عليه من قبل كان قياسه المذكور مبنيا على قوله الآخر في مسألة الاسترداد وهو كقول أبي حنيفة فليس له أن يقول هذا مذهبك لا مذهبي ، وإن كان مراده بقياسه المذكور مجرد الاحتجاج على أبي حنيفة بمذهب أبي حنيفة كما ذهب إليه ذلك الناظر في شرح ذاك المقام ، فلا شك في اندفاع الاحتجاج عليه بما ذكره من الفرق والإيضاح على مذهبه ، فلا معنى لقول ذلك الناظر فكيف يحتج بمذهب أبي حنيفة على صحة مذهبه وأجاب صاحب العناية عن النظر المزبور بوجهين آخرين حيث قال : قيل فيه نظر لأن الاسترداد بعد البناء في البيع الفاسد إنما مذهب أبي حنيفة فالاستدلال به لا يصح والجواب أنه يكون على غير ظاهر الرواية أو لأنه كان ثابتا بدليل ظاهر لم يعتبر بخلافهما ا هـ كلامه .

أقول : في كل من وجهي الجواب نظر أما في الأول فلأن المصنف بصدد بيان وجه ظاهر الرواية كما ترى فلا مجال لحمل كلامه المذكور في ذلك الصدد على غير ظاهر الرواية وأما في الثاني فلأن الظاهر أن الدليل الظاهر الذي كان عدم بقاء حق الاسترداد بعد البناء في الشراء الفاسد ثابتا به إنما هو حصول ذلك الشراء بتسليط من جهة من له الحق وهو البائع كما في البيع الصحيح فإنه المذكور دليلا على ذلك في موضعه دون غيره ، وقد جعله المصنف هاهنا دليلا أولا فكيف يبتني عليه تمام الدليل الثاني الذي كلامنا فيه ، تبصر تفهم

( قوله والفرق على ما هو المشهور أن المشتري مغرور من جهة البائع ومسلط عليه ، ولا تسليط ولا غرور في حق الشفيع من المشتري لأنه مجبور عليه ) أقول : كان الأولى أن يقال : ولا غرور ولا تسليط في حق الشفيع لا من البائع ولا من المشتري . [ ص: 402 ] ليعم ما أخذ من البائع وما أخذه من المشتري ويطابق قوله فيما قبل ، ولا يرجع بقيمة البناء والغرس لا على البائع إن أخذ منه ، ولا على المشتري إن أخذ منه وعن هذا قال في الكافي : ولا غرور في حق الشفيع لأنه تملك عن صاحب اليد جبرا بغير اختيار منه وقال في النهاية نقلا عن المبسوط : ولا غرور في حق الشفيع لا من جانب البائع ولا من جانب المشتري لأنه تملك عن صاحب اليد جبرا من غير اختيار فلا يرجع ا هـ .

ورد صاحب الإصلاح والإيضاح التعليل بالأخذ جبرا حيث قال : إنما لا يرجع بقيمة البناء والغرس على أحد ، لا لأنه أخذ جبرا لأنه لا يتمشى فيما أخذ بالتراضي ، بل لأنه ليس بمغرور ، ، والمشتري إنما يرجع على البائع لأنه مغرور من جهته أقول : ليس ذلك بشيء ، لأن قيد الجبر مأخوذ في تعريف الشفعة على ما ذكر في عامة الكتب ، حتى أن ذلك الراد نفسه أيضا أخذ ذاك القيد في تعريفها حيث قال في متنه : الشفعة تملك مبيع عقار جبرا بمثل ثمنه ، وفسر في شرحه قيد جبرا بمعنى يعم صورة الأخذ بالتراضي أيضا حيث قال : يعني لا يعتبر اختياره لا أنه يعتبر عدم اختياره ، ولا يخفى أن توجيهه هناك هو التوجيه هاهنا ، ولا يخل بالفرق بين المشتري مع البائع وبين الشفيع مع خصمه لتمام ذلك الفرق باعتبار الاختيار في الأول وعدم اعتباره في الثاني ، ولا يتوقف على اعتبار الاختيار في الأول واعتبار عدمه في الثاني [ ص: 403 ] تأمل تقف . بقي شيء في كلام صاحب الإصلاح والإيضاح وهو أنه نفى كون مدار الفرق الجبر والاختيار وحكم بأن مداره الغرور وعدم الغرور ، فلقائل أن يقول : إن كان سبب الغرور في المشتري وعدم الغرور في الشفيع كون البائع مختارا وخصم الشفيع مجبورا كما هو الظاهر من تقرير المصنف يلزم المصير إلى ما نفاه .

وإن كان سببهما غير ذلك فهو غير واضح سيما بين الشفيع الآخذ برضا خصمه وبين المشتري من البائع ويمكن الجواب بأن يقال : سبب غرور المشتري التزام البائع له سلامة المبيع كما يشير إليه تقرير صاحب النهاية حيث قال : إن المشتري مغرور من جهة البائع فيرجع عليه بالثمن وقيمة البناء لدفع الغرور ، وذلك لأن البائع التزم للمشتري السلامة ا هـ والظاهر أن خصم الشفيع وإن رضي بأخذه لكن لم يلتزم له السلامة فافترقا ، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب




الخدمات العلمية