الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا يقسم حمام ولا بئر ، ولا رحى إلا بتراضي الشركاء ، وكذا الحائط بين الدارين ) لأنها تشتمل على الضرر في الطرفين ، إذ لا يبقى كل نصيب منتفعا به انتفاعا مقصودا فلا يقسم القاضي بخلاف التراضي لما بينا [ ص: 438 ] قال ( وإذا كانت دور مشتركة في مصر واحد قسم كل دار على حدتها في قول أبي حنيفة وقالا : إن كان الأصلح لهم قسمة بعضها في بعض قسمها ) وعلى هذا الخلاف الأقرحة المتفرقة المشتركة لهما أنها جنس واحد اسما وصورة ، ونظرا إلى أصل السكنى أجناس معنى نظرا إلى اختلاف المقاصد ، ووجوه السكنى فيفوض الترجيح إلى القاضي وله أن الاعتبار للمعنى وهو المقصود ، ويختلف ذلك باختلاف البلدان والمحال والجيران والقرب إلى المسجد والماء اختلافا فاحشا فلا يمكن التعديل في القسمة ولهذا لا يجوز التوكيل بشراء دار ، وكذا لو تزوج على دار لا تصح التسمية كما هو الحكم فيهما في الثوب بخلاف الدار الواحدة إذا اختلفت بيوتها ، لأن في قسمة كل بيت على حدة ضررا فقسمت الدار قسمة واحدة قال رضي الله عنه : تقييد الوضع في الكتاب إشارة إلى أن الدارين إذا كانتا في مصرين لا تجتمعان في القسمة عندهما ، وهو رواية هلال عنهما وعن محمد أنه يقسم إحداهما في الأخرى والبيوت في محلة أو محال تقسم قسمة واحدة لأن التفاوت فيما بينها يسير ،والمنازل المتلازقة كالبيوت والمتباينة كالدور لأنه بين الدار والبيت على ما مر من قبل فأخذ شبيها من كل واحد .

قال ( وإن كانت دار وضيعة أو دار وحانوت قسم كل واحد منهما على حدة ) لاختلاف الجنس . قال رضي الله عنه : جعل الدار والحانوت جنسين ، وكذا ذكر الخصاف وقال في إجارات الأصل : إن إجارة منافع الدار بالحانوت لا تجوز ، وهذا يدل على أنهما جنس واحد ، فيجعل في المسألة روايتان أو تبنى حرمة الربا هنالك على شبهة المجانسة

[ ص: 437 ]

التالي السابق


[ ص: 437 ] قوله ولا يقسم حمام ولا بئر ولا رحى إلا برضا الشركاء ) قال صاحب العناية : والأصل في هذا أن الجبر في القسمة إنما يكون عند انتفاء الضرر عنهما بأن يبقى نصيب كل منهما بعد القسمة منتفعا به انتفاع ذلك الجنس وفي قسمة الحمام والبئر والرحى ضرر لهما أو لأحدهما فلا يقسم إلا بالتراضي انتهى أقول : تقرير الأصل بهذا الوجه ليس بسديد ، إذ قد تقرر فيما مر أنه إذا كان أحد الشركاء ينتفع بنصيبه والآخر يستضر بنصيبه لقلته فإن القاضي يقسم بطلب صاحب الكثير فقط على القول الأصح المذكور في الكتاب ، وبطلب صاحب القليل فقط على ما ذكره على الجصاص ، وبطلب كل واحد منهما على ما ذكره الحاكم الشهيد ، وعلى كل واحد من الأقوال الثلاثة المذكورة ينتقض ذلك التقرير بتلك المسألة كما لا يخفى على ذي مسكة فالصواب الموافق لقول المصنف في التعليل لأنه يشتمل على الضرر في الطرفين إلخ أن يقتصر في بيان أصل هذه المسائل على لزوم الضرر لكل [ ص: 438 ] واحد من الشركاء ، ويجعل ذلك مدارا لعدم الجبر في القسمة

( قوله وإن كانت دار وضيعة أو دار وحانوت قسم كل واحد منهما على حدة لاختلاف الجنس ) قال المصنف : جعل الدار والحانوت جنسين ، وكذا ذكر الخصاف . وقال في إجارات الأصل : إن إجارة منافع الدار بالحانوت لا يجوز ، وهذا يدل على أنهما جنس واحد ، فيجعل في المسألة روايتان أو تبنى حرمة الربا هنالك على شبهة المجانسة . واستشكل التوجيه الثاني صاحب الكافي حيث قال : وقيل هما مختلفان جنسا رواية واحدة ، والفساد ثمة بشبهة المجانسة باعتبار اتحاد منفعتهما وهو السكنى ، كذا ذكره في الهداية ، وهو مشكل لأنه يؤدي إلى اعتبار شبهة الشبهة والشبهة هي المعتبرة دون النازلة عنها .

وقد قال شمس الأئمة الحلواني : إما أن يكون في المسألة روايتان أو يكون من مشكلات هذا الكتاب ، إلى هنا كلام صاحب الكافي وأوضح إشكاله صاحب العناية ثم أجاب عنه حيث قال : واستشكل كلامه هذا لأنه يؤدي إلى اعتبار شبهة الشبهة ، فإن الجنس إذا اتحد كان بمنزلة مبادلة الشيء بجنسه نسيئة ، وبالجنس يحرم النساء عندنا كما تقدم ، وفي ذلك شبهة الربا ، فإذا اعتبرت شبهة الجنسية كان ذلك اعتبارا لشبهة الشبهة ، والمعتبر الشبهة دون النازل عنها [ ص: 439 ] وقد قال شمس الأئمة الحلواني : إما أن يكون في المسألة روايتان أو يكون من مشكلات هذا الكتاب ويمكن أن يقال : لا إشكال فيه ، لأن المراد بشبهة المجانسة الشبهة الثابتة بها لأنه قال جنس واحد فكيف يقول بشبهة المجانسة انتهى كلامه .

أقول : في الجواب خلل ، إذ لو كان المراد بشبهة المجانسة الشبهة الثابتة بنفس المجانسة لما تم التوفيق بين مسألتنا ومسألة إجارات الأصل بقوله أو تبنى حرمة الربا هنالك على شبهة المجانسة ، إذ يصير مدار مسألة إجارات الأصل حينئذ على اتحاد الدار والحانوت في الجنس ومدار مسألتنا على اختلافهما في الجنس قطعا ، فتتناقضان ، والمصنف قصد التوفيق بذلك فنشأ منه الإشكال المذكور ثم إن قوله لأنه قال جنس واحد فكيف يقول بشبهة المجانسة ليس بسديد ، إذ لم يقع التصريح في إجارات الأصل بأن قال جنس واحد ، ولو وقع كان المراد كجنس واحد على طريق التشبيه البليغ بحذف أداة التشبيه على ما عرف فلا ينافي القول بشبهة المجانسة كما لا يخفى ; قال بعض الفضلاء في تفسير معنى قول صاحب العناية ، لأن المراد بشبهة المجانسة الشبهة الثابتة بها : يعني أنهما متحدا الجنس نظرا إلى أصل السكنى فتبنى حرمة الربا عليه ومختلفاه نظرا إلى اختلاف المقاصد فاعتبر ذلك في القسمة فليتأمل انتهى أقول : ليس ذلك بمستقيم ، لأن المعنى الذي ذكره مع كونه غير مستفاد من عبارة صاحب العناية أصلا لا يصح أن يراد هاهنا أما أولا فلأنه لا يدفع الإشكال المذكور ، إذ حاصله أن اتحادهما في الجنس غير مقرر ، بل هناك شبها الاتحاد والاختلاف في الجنس من جهتين فكان في الجنسية شبهة فيئول بناء حرمة الربا على ذلك إلى اعتبار شبهة الشبهة كما عرفت فيما مر .

وأما ثانيا فلأن ما ذكره من اتحاد الجنس نظرا إلى أصل السكنى واختلافه نظرا إلى اختلاف المقاصد متحقق في الدور المشتركة في مصر واحد أيضا ، فبناء على أصل ذلك خالف أبا حنيفة صاحباه هناك فقالا : إن كان الأصلح لهم قسمة بعضها في بعض قسمها القاضي كما مر في الكتاب ، فلو كان المراد في مسألتنا ما ذكر لما وافق الإمامان أبا حنيفة هاهنا في وجوب قسمة كل واحد على حدة ، واتفاقهم في هذه المسألة مع كونه متفهما من عدم بيان الخلاف فيها في الكتاب منصوص عليه في البدائع حيث قال فيه : أما دار وضيعة أو دار وحانوت فلا يجمع بالإجماع بل يقسم كل واحد على حدته لاختلاف الجنس انتهى




الخدمات العلمية