الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 249 ] قال ( وإن أكرهه على الزنا وجب عليه الحد عند أبي حنيفة ، إلا أن يكرهه السلطان ، وقال أبو يوسف ومحمد لا يلزمه الحد ) وقد ذكرناه في الحدود .

التالي السابق


( قوله وإن أكرهه على الزنا وجب عليه الحد عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يكرهه السلطان ، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : لا يجب الحد ) وجه قولهما أن المعتبر في الإكراه كونه ملجئا وذلك بقدرة المكره على الإيقاع وخوف المكره الوقوع كما مر ، وذلك قد يكون من غير السلطان أكثر تحققا ، لأن السلطان يعلم أنه لا يفوته فهو ذو أناة في أمره وغيره يخاف الفوت بالالتجاء إلى السلطان فيعجل في الإيقاع .

ووجه قوله أن المكره يعجز عن دفع السلطان عن نفسه إذ ليس فوقه من يلتجئ إليه ويقدر على دفع اللص بالالتجاء إلى السلطان ، فإن اتفق في موضع لا يتمكن من ذلك فهو نادر لا حكم له فلا يسقط به الحد ، كذا في العناية والنهاية ، وهو المطابق لما ذكره المصنف في كتاب الحدود .

أقول : يتجه على الوجه المذكور من قبل أبي حنيفة [ ص: 250 ] رحمه الله أن يقال : ندرة ذلك ممنوع ، كيف ووقوع ظفر اللصوص وقطاع الطريق بالناس وعجزهم عن دفع شر هؤلاء المتغلبة سيما في المواضع النائية عن العمران أكثر من أن تحصى ، ولئن سلم الندرة فأن لا يكون للنادر حكم فيما يندرئ بالشبهات من الحدود سيما في حد الزنا كما نحن فيه ممنوع ، إذ لا شك أن بمجرد الاحتمال تثبت الشبهة فضلا عن الوقوع بطريق الندرة .

قال في غاية البيان في هذا المقام : ودليلهما ظاهر ، لأن الكلام فيما إذا جاء من غير السلطان ما يأتي من السلطان في موضع لا مدفع له عادة ، وفي مثل هذا السلطان وغيره سواء ، ألا يرى أنه لو كان في غير المصر اعتبر بالإجماع ، ولأبي حنيفة أن هذا مما لا يغلب عليه عادة إذا كان في المصر ، لأن الظاهر أنه يلحقه الغوث من الناس أو من السلطان فيندفع ، والحكم لا ينبني على النادر ، حتى لو كان في موضع يغلب كما في غير المصر نعتبره كذا قال شيخ الإسلام علاء الدين في شرح الكافي انتهى .

أقول : على هذا التقرير يمكن أن يندفع منع الندرة ، ولكن يبقى منع أن لا يكون للنادر حكم فيما يندرئ بالشبهات كما نحن فيه على حاله . ثم أقول : إطلاق مسألة الكتاب وإطلاقات عامة المعتبرات في أن حكم الإكراه مخصوص بالسلطان عنده وعام لكل متغلب يقدر على تحقيق ما هدده به عندهما مما لا يساعد القول بأن الإكراه من غير السلطان في غير المصر معتبر بالإجماع ، يظهر ذلك بالتأمل في عبارة الكتاب وتتبع سائر المعتبرات . قال الإمام قاضي خان في أول كتاب الإكراه من فتاواه : الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان في قول أبي حنيفة رحمه الله ، وفي قول صاحبيه يتحقق من كل متغلب يقدر على تحقيق ما هدده به ، وعليه الفتوى انتهى . وقال في الذخيرة والمحيط البرهاني : ومن شرط صحته أن يكون الإكراه من السلطان عند أبي حنيفة رحمه الله ، وعندهما إذا جاء من غير السلطان ما يجيء من السلطان فهو إكراه صحيح شرعا . والاختلاف على هذا الوجه مذكور في مسألة الزنا ، وصورتها : غير السلطان إذا أكره رجلا على الزنا فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يجب الحد على الزاني كأنه باشر الزنا طوعا ، وعلى قولهما لا حد عليه ، فظن بعض مشايخنا أن الخلاف بينهم في الزنا خاصة ، وأما في غيره فإكراه غير السلطان وإكراه السلطان سواء عندهم جميعا . ومنهم من قال : الخلاف في الزنا وغيره من الأحكام أيضا سواء . واختلفوا فيما بينهم : بعضهم قال هذا اختلاف عصر وزمان ، وبعضهم قال هذا اختلاف حجة وبرهان انتهى فتدبر




الخدمات العلمية