الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 309 ] قال ( ومن قدم مصرا وقال أنا عبد لفلان فاشترى وباع لزمه كل شيء من التجارة ) ; لأنه إن أخبر بالإذن فالإخبار دليل عليه ، وإن لم يخبر فتصرفه دليل عليه ، إذ الظاهر أن المحجور يجري على موجب حجره والعمل بالظاهر هو الأصل في المعاملات كي لا يضيق الأمر على الناس ، [ ص: 310 ] ( إلا أنه لا يباع حتى يحضر مولاه ) ; لأنه لا يقبل قوله في الرقبة ; لأنها خالص حق المولى ، بخلاف الكسب ; لأنه حق العبد على ما بينا ( فإن حضر فقال هو مأذون بيع في الدين ) ; لأنه ظهر الدين في حق المولى ( وإن قال هو محجور فالقول قوله ) ; لأنه متمسك بالأصل . .

التالي السابق


( قوله ومن قدم مصرا وقال أنا عبد لفلان فاشترى وباع لزمه كل شيء من التجارة ; لأنه ، إن أخبر بالإذن فالإخبار دليل عليه وإن لم يخبر فتصرفه دليل عليه ) قال في النهاية : أي فتصرفه دليل على أنه مأذون في التجارة وقال : هذا الذي ذكره جواب الاستحسان . وأما جواب القياس فأن لا يقبل قوله ; لأنه أخبر عن شيئين : أحدهما أخبر أنه مملوك وهذا إقرار على نفسه .

والثاني أخبر أنه مأذون في التجارة وهذا إقرار على المولى ، وإقراره عليه لا يصلح حجة . وأما وجه الاستحسان فما ذكره في الكتاب ا هـ .

واقتفى أثره صاحب العناية في شرح هذا المقام إثر ذلك . أقول : تحرير هذا المحل على هذا المنوال لا يخلو عن الاختلال ، فإن قولهما في تقرير وجه القياس والثاني أخبر أنه مأذون في التجارة وهذا إقرار على المولى غير متمش في أحد شقي هذه المسألة ، وهو ما إذا لم يخبر بالإذن ، إذ لا إخبار من العبد في هذه الصورة فلا إقرار على المولى فيها .

وأما جعل الإخبار في قولهما والثاني أخبر أنه مأذون في التجارة أعم من الإخبار الحقيقي والحكمي ، وادعاء أن في ذلك الشق إخبارا حكميا عن كونه مأذونا وهو تصرفه تصرف المأذون فتمحل جدا كما لا يخفى . فالأولى هاهنا تحرير صاحب الكافي ، فإنه جعل هذه المسألة على وجهين ، وذكر لكل واحد منهما وجه قياس .

ووجه استحسان على الاستقلال حيث قال : والمسألة على وجهين : أحدهما أن يخبر أن مولاه أذن له فيصدق استحسانا عدلا كان أو غير عدل . والقياس أن لا يصدق ; لأنه مجرد دعوى منه فلا يصدق إلا بحجة لقوله عليه الصلاة والسلام { البينة على المدعي } وجه الاستحسان أن الناس تعاملوا ذلك ، وإجماع المسلمين حجة يخص بها الأثر ويترك بها القياس والنظر ، ولأن في ذلك ضرورة وبلوى فإن الإذن لا بد منه لصحة تصرفه ، وإقامة الحجة عند كل عقد غير ممكن ، والأصل أن ما ضاق على الناس أمره اتسع حكمه ، وما عمت بليته سقطت قضيته . وثانيهما أن يبيع ويشتري ولا يخبر بشيء ، والقياس فيه أن لا يثبت الإذن ; لأن السكوت محتمل . [ ص: 310 ] وفي الاستحسان يثبت ; لأن الظاهر أنه مأذون ; لأن أمور المسلمين محمولة على الصلاح ما أمكن ولا يثبت الجواز إلا بالإذن فوجب أن يحمل عليه ، والعمل بالظاهر هو الأصل في المعاملات دفعا للشرر عن الناس .

والقياس أن يشترط عدالة المخبر ; لأن الحجة خبر العدل . وفي الاستحسان لا يشترط للضرورة أو البلوى ، إلى هنا كلامه .

واقتفى أثره صاحب معراج الدراية في شرح هذا الكتاب والإمام الزيلعي في شرح الكنز ( قوله إلا أنه لا يباع حتى يحضر مولاه ; لأنه لا يقبل قوله في الرقبة لأنها خالص حق المولى ، بخلاف الكسب ; لأنه حق العبد على ما بينا ) أقول : لقائل أن يقول : إن أراد بقوله ; لأنها خالص حق المولى أنه ليس فيها حق العبد ولا حق الغرماء فهو ممنوع ، إذ قد تقرر فيما مر أن حق الغرماء يتعلق برقبة العبد المأذون حتى كان لهم أن يبيعوه لاستيفاء ديونهم إلا أن يفدي المولى ديونهم ، وإن أراد بذلك أنه ليس فيها حق العبد كما هو المتبادر من قوله بخلاف الكسب ; لأنه حق العبد فهو مسلم ، لكن لا يتم به التعليل حينئذ على أن لا يقبل قوله في الرقبة أصلا ; لأنه لا يمنع أن يقبل قوله فيها لتعلق حق الغرماء بها كما يقبل قوله في ثبوت الإذن له ولزوم كل شيء في التجارة لئلا يضيق الأمر على الناس فليتأمل .

والأظهر في تعليل قوله لا يقبل قوله في الرقبة : أي في حق بيع الرقبة أن يقال : لأن بيع الرقبة ليس من لوازم الإذن في التجارة ; ألا ترى أنه إذا أذن المدبر وأم الولد ولحقهما الدين لا يباعان وهما مأذون لهما كما ذكر في النهاية وغيرها . ا هـ .




الخدمات العلمية