الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن غصب ألفا فاشترى بها جارية فباعها بألفين ثم اشترى بالألفين جارية فباعها بثلاثة آلاف درهم فإنه يتصدق بجميع الربح ، وهذا عندهما ) وأصله أن الغاصب أو المودع إذا تصرف في المغصوب أو الوديعة وربح لا يطيب له الربح عندهما ، خلافا لأبي يوسف ، وقد مرت الدلائل وجوابهما في الوديعة أظهر ; لأنه لا يستند الملك إلى ما قبل التصرف لانعدام سبب الضمان فلم يكن التصرف في ملكه ثم هذا ظاهر فيما يتعين بالإشارة ، أما فيما لا يتعين كالثمنين [ ص: 331 ] فقوله في الكتاب اشترى بها إشارة إلى أن التصدق إنما يجب إذا اشترى بها ونقد منها الثمن . أما إذا أشار إليها ونقد من غيرها أو نقد منها وأشار إلى غيرها أو أطلق إطلاقا ونقد منها بطيب له ، وهكذا قال الكرخي ; لأن الإشارة إذا كانت لا تفيد التعيين لا بد أن يتأكد بالنقد ليتحقق الخبث . وقال مشايخنا : لا يطيب له قبل أن يضمن ، وكذا بعد الضمان بكل حال ، وهو المختار لإطلاق الجواب في الجامعين والمضاربة . .

التالي السابق


( قوله فقوله في الكتاب اشترى بها إشارة إلى أن التصدق إنما يجب إذا اشترى بها ونقد منها ) أقول : في عبارة المصنف هاهنا تسامح ; لأن حاصلها يئول إلى أن يقال فقوله في الكتاب اشترى بها إشارة إلى نفسه وإلى غيره ; لأن قوله اشترى بها في قوله إنما يجب إذا اشترى بها ونقد منها نفس ما في الكتاب ، وقوله ونقد منها أمر مغاير له ، ولا معنى للقول بأن في الشيء إشارة إلى نفسه وإلى غيره كما لا يخفى ، فالظاهر أن يقال : فقوله في الكتاب اشترى بها إشارة إلى أن التصدق إنما يجب إذا أشار إليها ونقد منها إذ حينئذ لا يلزم المحذور المذكور ، وتظهر المقابلة بقوله بعده : وأما إذا أشار إليها ونقد من غيرها أو نقد منها وأشار إلى غيرها كما لا يذهب على ذي مسكة .

ثم إن مأخذ قول المصنف ثم هذا ظاهر فيما يتعين بالإشارة إلى قوله وهو المختار لإطلاق الجواب في الجامعين والمضاربة ما ذكره فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير ، ولفظه : إذا أشار إليها ونقد منها بدل قول المصنف إذا اشترى بها ونقد منها ، فإنه قال هناك : وهذا واضح فيما يتعين بالإشارة إليه . فأما في الدراهم والدنانير فقد ذكر في الكتاب إذا اشترى بها يتصدق بالربح وظاهر هذه العبارة يدل على أنه أراد بها إذا أشار إليها ونقد منها . وكان الكرخي يقول في المسألة إن ذلك على أوجه : إما أن يشير إليها وينقد منها ، وإما أن يشير إليها وينقد من غيرها ، وإما أن يطلق إطلاقا وينقد منها أو يشير إلى غيرها وينقد منها . وفي كل ذلك يطيب إلا أن يشير إليها وينقد منها فإن الإشارة إليها لا تفيد التعيين فيستوي وجودها [ ص: 332 ] وعدمها إلا أن يتأكد بالنقد منها . قال مشايخنا : بل لا يطيب بكل حال أن يتناول من المشتري قبل أن يضمن ، وبعد الضمان لا يطيب الربح بكل حال ، وإطلاق الجواب هاهنا والمضاربة والجامع الكبير دليل على هذا القول وهو المختار ، إلى هنا لفظ فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير .

وقال في الذخيرة : قال مشايخنا : الفتوى اليوم على قول الكرخي لكثرة الحرام دفعا للحرج عن الناس ، وعلى هذا تقرر : أي الصدر الشهيد وشمس الأئمة السرخسي .




الخدمات العلمية