قال تعالى : ( إن الله لا يخلف الميعاد ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ( 9 ) ) .
قوله تعالى : ( جامع الناس ) : الإضافة غير محضة ; لأنه مستقبل . والتقدير : جامع الناس . ( ليوم ) : تقديره : لعرض يوم ، أو حساب يوم .
وقيل : اللام بمعنى في ; أي في يوم . والهاء في " فيه " تعود على اليوم ; وإن شئت على الجمع ، وإن شئت على الحساب أو العرض . و ( لا ريب ) : في موضع جر صفة ليوم . ( إن الله لا يخلف ) : أعاد ذكر الله مظهرا تفخيما ، ولو قال إنك لا تخلف كان مستقيما . ويجوز أن يكون مستأنفا ، وليس محكيا عمن تقدم .
و ( الميعاد ) : مفعال ، من الوعد ، قلبت واوه ياء لسكونها وانكسار ما قبلها .
قال تعالى : ( من الله شيئا وأولئك هم وقود النار إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ( 10 ) ) .
قوله تعالى : ( لن تغني ) : الجمهور على التاء لتأنيث الفاعل ، ويقرأ بالياء ; لأن تأنيث الفاعل غير حقيقي ، وقد فصل بينهما أيضا .
( من الله ) : في موضع نصب ; لأن التقدير : من عذاب الله . والمعنى لن تدفع الأموال عنهم عذاب الله و ( شيئا ) : على هذا في موضع المصدر ، تقديره : غنى .
ويجوز أن يكون شيئا مفعولا به على المعنى ; لأن معنى تغني عنهم تدفع ، ويكون من الله صفة لشيء في الأصل قدم فصار حالا ; والتقدير : لن تدفع عنهم الأموال شيئا من عذاب الله .
والوقود بالفتح الحطب ، وبالضم التوقد ، وقيل : هما لغتان بمعنى .
قال تعالى : ( فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا ( 11 ) ) .
قوله تعالى : ( كدأب ) : الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ; وفي ذلك المحذوف أقوال .
[ ص: 196 ] أحدها تقديره : كفروا كفرا كعادة آل فرعون ، وليس الفعل المقدر هاهنا هو الذي في صلة الذين ; لأن الفعل قد انقطع تعلقه بالكاف ; لأجل استيفاء الذين خبره ، ولكن بفعل دل عليه " كفروا " التي هي صلة .
والثاني : تقديره : عذبوا عذابا كدأب آل فرعون ، ودل عليه أولئك هم وقود النار .
والثالث : تقديره : بطل انتفاعهم بالأموال والأولاد كعادة آل فرعون .
والرابع : تقديره : كذبوا تكذيبا كدأب آل فرعون ; فعلى هذا يكون الضمير في كذبوا لهم ، وفي ذلك تخويف لهم لعلمهم بما حل بآل فرعون ، وفي أخذه لآل فرعون .
( والذين من قبلهم ) : على هذا في موضع جر عطفا على آل فرعون .
وقيل : الكاف في موضع رفع خبر ابتداء محذوف تقديره : دأبهم في ذلك مثل دأب آل فرعون ; فعلى هذا يجوز في ( والذين من قبلهم ) وجهان : أحدهما : هو جر بالعطف أيضا ، وكذبوا في موضع الحال ، و " قد " معه مرادة ، ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له ذكر لشرح حالهم .
والوجه الآخر : أن يكون الكلام تم على فرعون ، والذين من قبلهم مبتدأ ، و " كذبوا " خبره . و ( شديد العقاب ) : تقديره : شديد عقابه ; فالإضافة غير محضة .
وقيل : شديد هنا بمعنى مشدد ; فيكون على هذا من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول ، وقد جاء فعيل بمعنى مفعل ومفعل .
قال تعالى : ( إلى جهنم وبئس المهاد قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون ( 12 ) ) .
قوله تعالى : ( ستغلبون وتحشرون ) : يقرآن بالتاء على الخطاب ; أي واجههم بذلك وبالياء ، تقديره : أخبرهم بأحوالهم فإنهم سيغلبون ويحشرون .
( وبئس المهاد ) : أي جهنم ، فحذف المخصوص بالذم .