قال تعالى : ( عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام ) ( 54 ) .
[ ص: 372 ] قوله تعالى : ( وإذا جاءك ) : العامل في إذا معنى الجواب ؛ أي : إذا جاءك سلم عليهم . و ( سلام ) : مبتدأ ، وجاز ذلك ، وإن كان نكرة لما فيه من معنى الفعل .
( كتب ربكم ) : الجملة محكية بعد القول أيضا .
( أنه من عمل ) : يقرأ بكسر إن ، وفتحها ، ففي الكسر وجهان : أحدهما : هي مستأنفة ، والكلام تام قبلها .
والثاني : أنه حمل " كتب " على قال ، فكسرت إن بعده .
وأما الفتح ففيه وجهان : أحدهما : هو بدل من الرحمة ؛ أي : كتب أنه من عمل .
والثاني : أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ؛ أي : عليه أنه من عمل ودل على ذلك ما قبله ، والهاء ضمير الشأن ، ومن بمعنى الذي أو شرط ، وموضعها مبتدأ .
و ( منكم ) : في موضع الحال من ضمير الفاعل .
و ( بجهالة ) : حال أيضا ؛ أي : جاهلا .
ويجوز أن يكون مفعولا به ؛ أي : بسبب الجهل .
والهاء في " بعده " تعود على العمل أو على السوء .
( فإنه ) : يقرأ بالكسر ، وهو معطوف على أن الأولى ، أو تكرير للأولى عند قوم ، وعلى هذا خبر " من " محذوف دل عليه الكلام ، ويجوز أن يكون العائد محذوفا ؛ أي : فإنه غفور له ، وإذا جعلت " من " شرطا فالأمر كذلك .
ويقرأ بالفتح ، وهو تكرير للأولى على قراءة من فتح الأولى ، أو بدل منها ، عند قوم ، وكلاهما ضعيف لوجهين : أحدهما : أن البدل لا يصحبه حرف معنى إلا أن تجعل الفاء زائدة ، وهو ضعيف .
والثاني : أن ذلك يؤدي إلى أن لا يبقى لمن خبر ، ولا جواب إن جعلتها شرطا .
والوجه أن تكون " أن " خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : فشأنه أنه غفور له ، أو يكون المحذوف ظرفا ؛ أي : عليه أنه ، فتكون أن إما مبتدأ ، وإما فاعلا .
قال تعالى : ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) ( 55 ) .
قوله تعالى : ( وكذلك ) : الكاف وصف لمصدر محذوف ؛ أي : نفصل الآيات تفصيلا [ ص: 373 ] مثل ذلك : " وليستبين " : يقرأ بالياء ، و " سبيل " فاعل ؛ أي : " يتبين " ، وذكر السبيل ، وهو لغة فيه ، ومنه قوله تعالى : ( وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ) [ الأعراف : 146 ] .
ويجوز أن تكون القراءة بالياء على أن تأنيث السبيل غير حقيقي .
ويقرأ بالتاء ، والسبيل فاعل مؤنث ، وهو لغة فيه ، ومنه ( قل هذه سبيلي ) [ يوسف : 108 ] .
ويقرأ بنصب السبيل ، والفاعل المخاطب ، واللام تتعلق بمحذوف ؛ أي : لتستبين فصلنا .
قال تعالى : ( ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ) ( 57 ) .
قوله تعالى : ( وكذبتم ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا ، وقد معه مرادة ، والهاء في " به " يعود على ربي .
ويجوز أن تعود على معنى البينة ؛ لأنها في معنى البرهان ، والدليل .
( يقضي الحق ) : يقرأ بالضاد من القضاء ، وبالصاد من القصص ، والأول أشبه بخاتمة الآية .
قال تعالى : ( ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) ( 59 ) قوله تعالى : ( مفاتح ) : هو جمع مفتح ، والمفتح الخزانة ؛ فأما ما يفتح به فهو مفتاح ، وجمعه مفاتيح ، وقد قيل : مفتح أيضا .
( لا يعلمها ) : حال من مفاتح ، والعامل فيها ما تعلق به الظرف ، أو نفس الظرف ، إن رفعت به مفاتح . و ( من ورقة ) : فاعل . ( ولا حبة ) : معطوف على لفظ ورقة ، ولو رفع على الموضع جاز .
( ولا رطب ولا يابس ) : مثله . وقد قرئ بالرفع على الموضع .
[ ص: 374 ] ( إلا في كتاب ) : أي إلا هو في كتاب ، ولا يجوز أن يكون استثناء يعمل فيه " يعلمها " لأن المعنى يصير ، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها إلا في كتاب ، فينقلب معناه إلى الإثبات ؛ أي : لا يعلمها في كتاب ، وإذا لم يكن إلا في كتاب ، وجب أن يعلمها في الكتاب ، فإذا يكون الاستثناء الثاني بدلا من الأول ؛ أي : وما تسقط من ورقة إلا هي في كتاب وما يعلمها .
قال تعالى : ( ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) ( 60 ) .
قوله تعالى : ( بالليل ) : الباء هنا بمعنى في ، وجاز ذلك لأن الباء للإلصاق ، والملاصق للزمان والمكان حاصل فيهما .
( ليقضى أجل ) : على ما لم يسم فاعله ، ويقرأ على تسمية الفاعل ، وأجلا نصب .