الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 124 ] ( ولو حلف لا يشتري أو لا يأكل لحما أو شحما فاشترى ألية أو أكلها لم يحنث ) لأنه نوع ثالث حتى لا يستعمل استعمال اللحوم والشحوم .

التالي السابق


( قوله ولو حلف لا يأكل أو لا يشتري لحما أو قال شحما فاشترى ألية أو أكلها لم يحنث لأنه نوع ثالث لا يستعمل استعمال اللحوم والشحوم ) والحق أنه لا يحنث به في حلفه على اللحم خلافا لبعض الشافعية ، ولا في يمين الشحم خلافا لأحمد للعرف والعادة ، وأما أنه لا يستعمل استعمال الشحم ففيه نظر إلا أن يراد جميع استعمالاته .



[ فروع ]

حلف لا يأكل لحم شاة فأكل لحم عنز يحنث . وقال أبو الليث : لا يحنث مصريا كان الحالف أو قرويا ، وعليه الفتوى لتغير العرف فيه .

ولو حلف لا يأكل لحم بقر فأكل لحم الجاموس يحنث لا في عكسه لأنه نوع لا يتناول الأعم . وفي فتاوى قاضي خان : ينبغي أن لا يحنث في الفصلين لأن الناس يفرقون بينهما . ولو حلف لا يأكل طعاما سماه فمضغه حتى دخل جوفه شيء من مائه ثم ألقاه لا يحنث ، ولو فعل هذا في العنب فازدرد . فإن رمى القشر والحب وابتلع الماء لا يحنث ، وإن رمى قشره فقط وابتلع الماء والحب حنث لأنه أكل الأكثر . ولو حلف لا يأكل شيئا من الحلوى فأي شيء أكله من الحلوى من الخبيص أو العسل أو السكر أو الناطف حنث ، ذكره في الأصل . قال الإمام النسفي في شرح الشافعي : هذا في عرفهم ، أما في عرفنا لا يحنث بالعسل والسكر والخبيص .

ولو حلف لا يأكل ملحا فأكل طعاما مالحا يحنث ، كما لو حلف لا يأكل الفلفل فأكل طعاما فيه فلفل ، إن وجد طعم الفلفل يحنث . والفقيه يفرق بين الملح والفلفل ، في الفلفل يحنث لأن عينه غير مأكول فينصرف اليمين إلى ما يتخذ فيه ، بخلاف الملح فلا يحنث ما لم يأكل عينه مفردا أو مع غيره ، إلا إذا كان وقت الحلف دلالة على صرفه إلى الطعام المالح ، ويقول الفقيه يفتي . وفي الخلاصة فيمن حلف لا يأكل من ملح ختنه فأخذ ماء وملحا وجعلهما في العجين لا يحنث لأنه تلاشى .

ولو حلف لا يأكل لبنا فطبخ بأرز فأكله ذكر النسفي لا يحنث وإن رئيت عينه ولم يجعل فيه ماء . وفي مجموع النوازل : إذا كان يرى عينه ويوجد طعمه يحنث . ولو حلف لا يأكل زعفرانا فأكل كعكا على وجهه زعفران يحنث . ولو حلف لا يأكل هذا السمن فجعله خبيصا فأكله يحنث ، إلا إذا وجد طعمه ولم ير عينه فلا يحنث . وكذا على هذا التمر إذا حلف لا يأكله فجعله عصيدة فأكلها لا يحنث ، وفي أكل هذا السكر لا يحنث بمص مائه ، ولا يأكل لحما يشتريه فلان فأكل من لحم سخلة اشتراها فلان لا يحنث ، وعلى أن ليس في بيته مرقة وهي في بيته قليلة لا يعدها إذا علم بها أو كثيرة فاسدة لا يحنث ، ولا يأكل من هذا القدر وقد غرف منه شيء قبل اليمين لا يحنث بأكله ، كما لو سخنت المحلوف على طعامها ما طبخه غيرها . وفي التجريد : قيل اسم الطبخ يقع بوضع القدر لا بإيقاد النار ، وقيل لو أوقد غيرها فوضعت هي القدر لا يحنث ا هـ .

وفي عرفنا ليس واضع القدر طابخا قطعا ومجرد الإيقاد كذلك ، ومثله يسمى صبي الطباخ : يعني معينه ، والطباخ هو المركب بوضع التوابل وإن لم يوقد . وفي المنتقى عن محمد : حلف على ما لا يؤكل أن لا يأكله فاشترى به ما يؤكل فأكله حنث ، ولو حلف على ما يؤكل فاشترى به ما يؤكل فأكله لا يحنث ، فعقد اليمين في الأول على بدله . حلف لا يأكل مما يملكه فلان فأكل منه بعد خروجه عن ملكه لا يحنث ، وكذا مما اشتراه إذا باعه فأكله ، وكذا من ميراثه إذا أخرجه الوارث عن ملكه ويحنث قبله ، بخلاف ما زرع فلان يحنث به عند [ ص: 125 ] الزارع ، ومن اشترى منه لأن الزرع لا ينسخه الشراء ، أما لو اشترى شخص ذلك الزرع فبذره وأكل منه لا يحنث ، ومثله من طعام يصنعه فلان فصنعه وباعه فأكل يحنث ، وكذا من كسب فلان فاكتسب ومات فورث عنه فأكله حنث ، ولو انتقل بشراء أو هبة أو وصية ونحوها لم يحنث ، ولا يشتري ثوبا مسه فلان فمسه فلان فباعه منه حنث .

حلف لا يأكل حراما فاشترى بدرهم غصب طعاما فأكله لا يحنث لما عرف أن الثمن إنما يثبت في الذمة فيصير عليه إثم الدرهم ، أما لو أكل خبزا غصبه حنث ، ولو اشترى بذلك الخبز لحما لا يحنث : يعني إذا أكل اللحم . ولو أكل لحم كلب أو قرد لا يحنث عند أسد بن عمرو ، وقال نصر : به نأخذ . وقال الحسن : كله حرام . قال الفقيه أبو الليث : ما كان فيه اختلاف العلماء لا يكون حراما مطلقا وهو حسن ، ولو اضطر لأكل الحرام أو الميتة اختلفوا ، والمختار يحنث ، وعن محمد روايتان .

ولو كان المغصوب برا فطحنه إن أعطى مثله قبل أن يأكله لم يحنث ، وإن أكله قبل ذلك حنث لأن الحرمة ثابتة ما لم يؤد الضمان . وفي الأجناس المعتوه والمكره إذا فعلا شيئا حراما فهو ليس بحلال لهما . ولو أكل من الكرم الذي دفعه معاملة لا يحنث ، أما عندهما فلا يشكل ، وعنده كذلك لأنه عقد فاسد ، فإنما أكل ملك نفسه .




الخدمات العلمية