الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 450 ] قال ( ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف مع المسلمين إذا كانوا عسكرا عظيما يؤمن عليه ) لأن الغالب هو السلامة والغالب كالمتحقق ( ويكره إخراج ذلك في سرية لا يؤمن عليها ) لأن فيه تعريضهن على الضياع والفضيحة وتعريض المصاحف على الاستخفاف فإنهم يستخفون بها مغايظة للمسلمين ، وهو التأويل الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو } ولو دخل مسلم إليهم بأمان لا بأس بأن يحمل معه المصحف إذا كانوا قوما يفون بالعهد لأن الظاهر عدم التعرض ، والعجائز يخرجن في العسكر العظيم لإقامة عمل يليق بهن كالطبخ والسقي والمداواة ، فأما الشواب فمقامهن في البيوت أدفع للفتنة [ ص: 451 ] ولا يباشرن القتال لأنه يستدل به على ضعف المسلمين إلا عند ضرورة ، ولا يستحب إخراجهن للمباضعة والخدمة ، فإن كانوا لا بد مخرجين فبالإماء دون الحرائر

التالي السابق


( قوله : ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف مع المسلمين إذا كانوا عسكرا عظيما يؤمن عليه ; لأن الغالب هو السلامة والغالب كالمتحقق ، ويكره إخراج ذلك في سرية لا يؤمن عليها ; لأن فيه تعريضهن على الضياع والفضيحة ، وتعريض المصاحف على الاستخفاف ) منهم لها .

قال المصنف ( وهو التأويل الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو } ) وهذا الحديث رواه الستة إلا الترمذي ، من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر .

وقوله وهو التأويل الصحيح احتراز عما ذكر فخر الإسلام عن أبي الحسن القمي ، والصدر الشهيد عن الطحاوي أن ذلك إنما كان عند قلة المصاحف كي لا ينقطع عن أيدي الناس ، وأما اليوم فلا يكره . أما التأويل الصحيح فما ذكره المصنف وهو منقول عن مالك راوي الحديث ، فإن أبا داود وابن ماجه زادا بعد قوله { إلى أرض العدو } ، قال مالك : أرى ذلك مخافة أن يناله العدو . والحق أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم على ما أخرجه مسلم وابن ماجه عن الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ويخاف أن يناله العدو } وأخرجه مسلم عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تسافروا بالقرآن فإني لا آمن أن يناله العدو } وفي رواية لمسلم { فإني أخاف } فلذا حكم القرطبي والنووي بأنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وغلطا من زعم أنها من قول مالك ، وقد يكون مالك لم يسمعها فوافق تأويله أو شك في سماعه إياها . وفي فتاوى قاضي خان : قال أبو حنيفة : أقل السرية أربعمائة وأقل العسكر أربعة آلاف . وفي المبسوط : السرية عدد قليل يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار انتهى .

وكأن المراد من شأنهم ذلك ، وإلا فقد لا يكمنون ، وكأنه مأخوذ من السرى ، وهو السير ليلا فكان الأولى أن يقال بعد قوله : يؤمن عليه ، ويكره إخراجه فيما ليس كذلك . فإن الانتقال من العسكر العظيم إلى السرية طفرة كبيرة ليست مناسبة ; والذي يؤمن عليه في توغله في دار الحرب ليس إلا العسكر العظيم . وينبغي كونه اثني عشر ألفا لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال { لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة } وهو أكثر ما روى فيه هذا باعتباره أحوط ، وهذا ظاهر مذهبنا ، ومذهب الشافعي ومذهب مالك إطلاق المنع أخذا بإطلاق الحديث . قال القرطبي : لا فرق بين [ ص: 451 ] الجيش والسرايا عملا بإطلاق النص ، وهو وإن كان نيل العدو له في الجيش العظيم نادرا فنسيانه وسقوطه ليس بنادر ، وأنت علمت أن العلة المنصوصة لما كانت مخافة نيله فيناط بما هو مظنته فيخرج الجيش العظيم ، والنسيان والسقوط نادر مع الاهتمام والتشمر للحفظ الباعث عليه ، وذلك أن حمله لا يكون إلا ممن يخاف نسيان القرآن فيأخذه لتعاهده فيبعد ذلك منه وكتب الفقه أيضا كذلك ، ذكره في المحيط معزوا إلى السير الكبير فكتب الحديث أولى ، ثم الأولى في إخراج النساء العجائز للطب والمداواة والسقي دون الشواب ، ولو احتيج إلى المباضعة فالأولى إخراج الإماء دون الحرائر ( ولا يباشرن القتال لأنه يستدل به على ضعف المسلمين إلا عند الضرورة ) وقد { قاتلت أم سليم يوم خيبر وأقرها عليه الصلاة والسلام حيث قال لمقامها خير من مقام فلان وفلان } يعني بعض المنهزمين




الخدمات العلمية