الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 287 ] ( وإن شهد أربعة أنه زنى بامرأة بالنخيلة عند طلوع الشمس ، وأربعة أنه زنى بها عند طلوع الشمس بدير هند درئ الحد عنهم جميعا ) أما عنهما فلأنا تيقنا بكذب أحد الفريقين غير عين ، وأما عن الشهود فلاحتمال صدق كل فريق

التالي السابق


( قوله ولو شهد أربعة أنه زنى بامرأة عند طلوع الشمس بالنخيلة ) بالنون والخاء المعجمة تصغير نخلة مكان بظاهر الكوفة ، وقد يقال بجيلة بالباء المفتوحة والجيم وهو تصحيف لأنه اسم قبيلة باليمن ( وشهد أربعة أنه زنى بها عند طلوع الشمس بدير هند فلا حد على أحد منهم ، أما عنهما فللتيقن بكذب أحد الفريقين غير عين ) إذ الإنسان لا يتصور منه الزنا في ساعة واحدة في مكانين متباعدين فلا يجب حدهما بالشك ، وأما في الشهود فللتيقن بصدق أحد الفريقين فلا يحدون بالشك ، فلو كان المكانان متقاربين جازت شهادتهم لأنه يصح كون الأمرين فيهما في ذلك الوقت ، لأن طلوع الشمس يقال لوقت ممتد امتدادا عرفيا لا أنه يخص أن ظهورها من الأفق ، ويحتمل تكرار الفعل .

ودير هند : دير بظاهر الكوفة ، وهند بنت النعمان بن المنذر بن ماء السماء كانت ترهبت وبنت هذا الدير وأقامت به ، وخطبها المغيرة بن شعبة أيام إمارته على الكوفة فقالت : والصليب ما في رغبة لجمال ولا كثرة مال إنما أراد أن يفتخر بنكاحي فيقول : نكحت بنت النعمان بن المنذر ، وإلا فأي رغبة لشيخ أعور في عجوز عمياء ؟ فصدقها المغيرة وقال في ذلك :

أدركت ما منيت نفسي خاليا لله درك يا ابنة النعمان فلقد رددت على المغيرة دهية
إن الملوك ذكية الأذهان [ ص: 288 ] إني لحلفك بالصليب مصدق
والصلب أصدق حلفة الرهبان

وكانت بعد ذلك تدخل عليه ويسألها فسألها يوما عن حالها فقالت :

فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة ننتصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها تقلب تارات بنا وتصرف

ذكر هذا ابن الشجري في أماليه على القصيدة المنازلية للشريف الرضي التي أولها :

ما زلت أطرق المنازل باللوى حتى نزلت منازل النعمان

عند قوله :

ولقد رأيت بدير هند منزلا ألمى من الضراء والحدثان
أغضى كمستمع الهوان تغيبت أنصاره وخلا عن الأعوان
بالي المعالم أطرقت شرفاته إطراق منجذب القرينة عان
وذكرت مسحبها الرياط بجوه من قبل بيع زمانها بزمان
وبما ترد على المغيرة دهيه نزع النوار بطيئة الإذعان

والنوار من النساء التي تنفر من الريبة ، يقال نارت المرأة تنور نورا إذا نفرت عن القبيح




الخدمات العلمية