الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 90 ] ( ولو قال كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب إلا أن ينوي غير ذلك ) والقياس أن يحنث كما فرغ لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه ، هذا قول زفر رحمه الله تعالى . وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا يتحصل مع اعتبار العموم ، وإذا سقط اعتباره ينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه يستعمل فيما يتناول عادة . ولا يتناول المرأة إلا بالنية لإسقاط اعتبار العموم . وإذا نواها كان إيلاء ولا تصرف اليمين عن المأكول والمشروب ، وهذا كله جواب ظاهر الرواية . ومشايخنا قالوا يقع به الطلاق عن غير نية لغلبة الاستعمال وعليه الفتوى ، [ ص: 91 ] وكذا ينبغي في قوله حلال يروى حرام للعرف . واختلفوا في قوله هرجه بردست راست كيرم بروي حرام أنه هل تشترط النية والأظهر أنه يجعل طلاقا من غير نية للعرف .

التالي السابق


( قوله ولو قال كل حلال علي حرام فهو على الطعام والشراب إلا أن ينوي غير ذلك ) فإذا أكل أو شرب حنث ولا يحنث بجماع زوجته ( والقياس أن يحنث كما فرغ لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه ) كفتح العينين وتحريك الجفنين ( وهو قول زفر ) بناء على انعقاده على العموم كما هو ظاهر اللفظ ( وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا يحصل مع اعتبار العموم ) والظاهر أنه لم يعقد للحنث ابتداء : أي لا يكون الغرض من عقد اليمين الحنث فكان ذلك قرينة صارفة عن صرافة العموم ( وإذا سقط اعتباره ينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه ) أي هذا اللفظ ( يستعمل فيما يتناول عادة ) وهو الطعام والشراب ، فظهر ، أن ما قيل إنه تعذر الحمل على العموم فيحمل على أخص الخصوص لا يصح إذ ليس مجموع الطعام والشراب أخص الخصوص بل حمل على ما تعورف فيه اللفظ .

( ولا يتناول المرأة إلا بالنية لإسقاط اعتبار العموم ) في غير الطعام والشراب مع صلاحية اللفظ ، فإذا نواها اتصلت النية بلفظ صالح فصح فيه دخولها في الإرادة ، بخلاف نحو اسقني إذا أريد به الطلاق لا يقع لعدم الصلاحية ، فلو وقع كان بمجرد النية ( وإذا نواها كان إيلاء ) لأن الحلف على قربانها إيلاء ولا ينصرف عن الطعام والشراب فأيها فعل حنث ، وإذا كان إيلاء فهو إيلاء مؤبد ، فإن تركها أربعة أشهر بانت إلى آخر أحكام الإيلاء المؤبد .

( وهذا كله جواب ظاهر الرواية ومشايخنا ) أي مشايخ بلخ كأبي بكر الإسكاف وأبي بكر بن أبي سعيد والفقيه أبي جعفر ( قالوا يقع به الطلاق منجزا لغلبة الاستعمال ) في الطلاق فينصرف إليه من غير نية ، وبه أخذ الفقيه أبو الليث . قال المصنف : وعليه الفتوى . وقال البزدوي في مبسوطه : هكذا قال مشايخ سمرقند ، ولم يتضح لي عرف الناس [ ص: 91 ] في هذا لأن من لا امرأة له يحلف به كما يحلف ذو الحليلة ، ولو كان العرف مستفيضا في ذلك لما استعمله إلا ذو الحليلة ، فالصحيح أن يقيد الجواب في هذا ويقول إن نوى الطلاق يكون طلاقا ، فأما من غير دلالة فالاحتياط أن يقف الإنسان فيه ولا يخالف المتقدمين .

واعلم أن مثل هذا اللفظ لم يتعارف في ديارنا بل المتعارف فيه حرام على كلامك ونحوه كأكل كذا ولبسه دون الصيغة العامة ، وتعارفوا أيضا الحرام يلزمني ، ولا شك في أنهم يريدون الطلاق معلقا فإنهم يذكرون بعده لا أفعل كذا أو لأفعلن ، وهو مثل تعارفهم الطلاق يلزمني لا أفعل كذا فإنه يراد به إن فعلت كذا فهي طالق ويجب إمضاؤه عليهم .

وفي التتمة : لو قال حلال الله علي حرام أو قال حلال خداي وله امرأة ينصرف إليها من غير نية وعليه الفتوى ، وإن لم يكن له امرأة يجب عليه الكفارة . قال المصنف : وكذا ينبغي في حلال بروي حرام للعرف : يعني يقع به الطلاق على ما اختاره للفتوى ( واختلفوا في قوله هرجه بردست راست كيرم بروى حرام أنه هل يشترط النية أو لا . والأظهر أنه يجعل طلاقا من غير نية للعرف ) قال في الخلاصة : لا يصدق أنه لم ينو .

ولو قال هرجه بدست راست كيرفته أم فهو بمنزلة قوله كيرم . ولو قال هرجه بدست حب كيرم ، في مجموع النوازل : لا يكون طلاقا وإن نوى . ولو قال هرجه بدست راست كيرفتم لا يكون طلاقا لأن العرف في قوله كيرم ولا عرف في قوله كيرفتم . ولو قال هرجه بدست كيرم ولم يقل راست أوجب فهو كقوله هرجه بدست كيرم .

والحاصل أن المعتبر في انصراف هذه الألفاظ عربية أو فارسية إلى معنى بلا نية التعارف فيه فإن لم يتعارف سئل عن نيته . وفيما ينصرف بلا نية لو قال أردت غيره لا يصدقه القاضي وفيما بينه وبين الله تعالى هو مصدق . .




الخدمات العلمية