الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 351 ] قال ( وأشد الضرب التعزير ) لأنه جرى التخفيف فيه من حيث العدد فلا يخفف من حيث الوصف كي لا يؤدي إلى فوات المقصود ، ولهذا لم يخفف من حيث التفريق على الأعضاء قال ( ثم حد الزنا ) لأنه ثابت بالكتاب ، وحد الشرب ثبت بقول الصحابة ، ولأنه أعظم جناية حتى شرع فيه الرجم ( ثم حد الشرب ) لأن سببه متيقن به ( ثم حد القذف ) لأن سببه محتمل لاحتمال كونه صادقا ولأنه جرى فيه التغليظ من حيث رد الشهادة فلا يغلظ من حيث [ ص: 352 ] الوصف .

التالي السابق


( قوله وأشد الضرب التعزير لأنه جرى فيه التخفيف من حيث العدد فلا يخفف من حيث الوصف كي لا يؤدي إلى فوات المقصود ) من الانزجار ( ولهذا لم يخفف من حيث التفريق على الأعضاء ) لجريان التخفيف فيه من حيث العدد . وذكر في المحيط أن محمدا ذكر في حدود الأصل أن التعزير يفرق على الأعضاء . وذكر في أشربة الأصل يضرب التعزير في موضع واحد ، وليس في المسألة روايتان بل موضوع ما ذكر في الحدود إذا وجب تبليغ التعزير إلى أقصى غاياته بأن أصاب من الأجنبية كل محرم غير الجماع أو أخذ السارق بعدما جمع المتاع قبل الإخراج ، وإذا بلغ غاية التعزير فرق على الأعضاء وإلا أفسد العضو لموالاة الضرب الشديد الكثير عليه .

وموضوع ما في الأشربة ما إذا عزر أدنى التعزير كثلاثة ونحوها ، وإذا حد عددا يسيرا فالإقامة في موضع واحد لا تفسده ، وتفريقها أيضا لا يحصل منه مقصود الانزجار فيجمع في محل واحد ، وعلى هذا فمعنى شدة الضرب قوته لا جمعه في عضو واحد كما قيل إذا صح أنه لا يجمع في عضو واحد مطلقا ( ثم حد الزنا ) يلي التعزير في الشدة ( لأنه ثابت بالكتاب وأعظم جناية حتى شرع فيه الرجم ) وهو إتلاف النفس بالكلية ( ثم حد الشرب ) لأنه ثبت بإجماع الصحابة لكن لا يتلى في القرآن ، وفي زمنه عليه الصلاة والسلام كان غير مقدر على ما تقدم ( ولأن سببه متيقن ) فيكون سببيته لا شبهة فيها ، والمراد أن الشرب متيقن السببية للحد لا متيقن الثبوت لأنه بالبينة أو الإقرار وهما لا يوجبان اليقين . فإن قيل : يفيد أنه شرعا بمعنى أن عندهما يستيقن لزوم الحد أو أن الثابت بهما كالثابت بالمعاينة . قلنا : كذلك القذف يثبت بالبينة أو الإقرار فلا يقع فرق حينئذ بينهما ، بخلاف القذف لأن سببه باعتبار كونه فرية وبالبينة لا يتيقن بذلك لجواز صدقه فيما نسبه إليه ( ولأنه جرى فيه التغليظ برد الشهادة فلا يغلظ ) مرة أخرى ( من حيث [ ص: 352 ] الوصف ) وهو شدة الضرب ، ولأن الشرب ينتظم القذف كما قال علي رضي الله عنه : إذا شرب هذى وإذا هذى افترى فيجتمع على الشارب حد الشرب والقذف فيزداد العدد نظرا إلى المظنة فلا يغلظ بالشدة .

فأشدها التعزير وأخفها حد القذف . وعند أحمد أشد الضرب حد الزنا ثم حد القذف ثم التعزير . وقال مالك : الكل سواء لأن المقصود من الكل واحد . ثم ذكر في المبسوط بأنه يحد ويعزر في إزار واحد . وفي فتاوى قاضي خان : يضرب في التعزير قائما عليه ثيابه ، وينزع الحشو والفرو ولا يمد في التعزير .




الخدمات العلمية