الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 131 - 132 ] ( وإذا حلف لا يتغدى فالغداء الأكل من طلوع الفجر إلى الظهر والعشاء من صلاة الظهر إلى نصف الليل ) لأن ما بعد الزوال يسمى عشاء ولهذا تسمى الظهر إحدى صلاتي العشاء في الحديث ( والسحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر ) لأنه مأخوذ من السحر ويطلق على ما يقرب منه . [ ص: 133 ] ثم الغداء والعشاء ما يقصد به الشبع عادة وتعتبر عادة أهل كل بلدة في حقهم ، ويشترط أن يكون أكثر من نصف الشبع .

التالي السابق


( قوله وإذا حلف لا يتغدى فالغداء الأكل من طلوع الفجر إلى الظهر والعشاء ) بفتح العين والمد ( من صلاة الظهر إلى نصف الليل ) وهذا تساهل معروف المعنى لا يعترض به . فإن الغداء والعشاء اسم لما يؤكل في الوقتين لا للأكل فيهما .

فالوجه أن يقال فالتغدي الأكل من طلوع الفجر ، والتعشي الأكل من الظهر إلخ ، لأن ما بعد الظهر يسمى عشاء بكسر العين ولهذا سمي الظهر إحدى صلاتي العشاء في الحديث ، إذ في الصحيحين من رواية أبي هريرة { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشاء } وفسرت بأنها الظهر في بعض الروايات . هذا وتفسير التغدي بالأكل من الفجر إلى آخره مذكور في التجريد . وفي الخلاصة ووقت التغدي من طلوع الشمس إلى الزوال ، ويشبه كونه نقلا عن الفتاوى الصغرى وفيها التسحر بعد ذهاب ثلثي الليل ، ويوافقه ما عن محمد فيمن حلف لا يكلمه إلى السحر قال : إذا دخل ثلث الليل الأخير فكلمه لم يحنث وقال الإسبيجابي في شرح الطحاوي : وقت الغداء من طلوع الشمس إلى وقت الزوال ، ووقت العشاء من بعد الزوال إلى أن يمضي أكثر الليل ، ووقت السحور من مضي أكثر الليل إلى طلوع الفجر ، ثم قال : هذا في عرفهم ، وأما في عرفنا : وقت العشاء من بعد صلاة العصر انتهى .

فعرفهم كان موافقا للغة لأن الغدوة اسم لأول النهار ، وما قبل الزوال أوله فالأكل فيه تغد ، وقد أطلق السحور غداء في { قوله صلى الله عليه وسلم لعرباض بن سارية هلم إلى الغداء المبارك } وليس إلا مجازا لقربه من الغداة ، وكذا السحور لما كان لا يؤكل في السحر والسحر من الثلث الأخير سمي ما يؤكل في النصف الثاني لقربه من الثلث الأخير سحورا بفتح السين والأكل فيه تسحرا ، والتضحي الأكل في وقت الضحى ويسمى الضحاء أيضا بالفتح والمد ، ووقت الضحى من حين تحل الصلاة إلى أن تزول ، وأصل هذه في مسائل القضاء .

قال السرخسي فيمن حلف ليعطين فلانا حقه ضحوة : فوقت الضحوة من حين تبيض الشمس إلى أن تزول ، وإن قال عند طلوع الشمس أو حتى تطلع فله من حين تطلع إلى أن تبيض لأن صاحب الشرع نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس . والنهي يمتد إلى أن تبيض .

والمساء مساءان أحدهما ما بعد الزوال ، والآخر بعد غروب الشمس ، فأيهما نوى صحت نيته ، وعلى هذا لو حلف بعد الزوال لا يفعل كذا حتى يمسي ولا نية له فهو على غيبوبة الشمس لأنه لا يمكن حمل اليمين على المساء الأول فيحمل [ ص: 133 ] على المساء الثاني وهو ما بعد الغروب ، وذكر الولوالجي : والضحوة بعد طلوع الشمس من الساعة التي تحل فيها الصلاة إلى نصف النهار ، والتصبيح ما بين طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحوة : يعني الكبرى لأنه من الإصباح وهذا يعرف بتسمية أهل اللغة .

ولو حلف ليأتينه غدوة فهذا بعد طلوع الفجر إلى نصف النهار ( قوله ثم الغداء والعشاء ما يقصد به الشبع عادة ) وكذا السحور ، فلو أكل لقمة أو لقمتين أو أكثر مما لم يبلغ نصف الشبع لا يحنث بحلفه ما تغديت ولا تعشيت ولا تسحرت . ويرد أنه صلى الله عليه وسلم قال في رواية الترمذي : { تعشوا ولو بكف من حشف فإن ترك العشاء مهرمة } ومعلوم أن كفا من حشف لا يبلغ في العادة نصف الشبع .

وأجيب بأن العرف الطارئ يفيد أنه مع الشبع للقطع ما بقولهم ما تغديت اليوم أو ما تعشيت البارحة وإن كان أكل لقمة أو لقمتين وكذا يعتبر في الغداء وأخويه في حق أهل كل بلد ما يعتادونه من مأكولهم ، فلو كان عادتهم أكل الخبز في الغداء أو اللحم أو اللبن ينصرف إليه حتى إن الحضري إذا حلف على ترك الغداء فشرب اللبن لم يحنث ، والبدوي يحنث لأنه غذاء أهل البادية ، ولو أكل غير الخبز من أرز أو تمر أو غيرهما مما هو غير معتاد التغدي به حتى شبع لم يحنث أيضا . .




الخدمات العلمية