الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا ولا يغلوا ولا يمثلوا لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تغلو ولا تغدروا ولا تمثلوا } والغلول : السرقة من المغنم ، والغدر : الخيانة ونقض العهد ، [ ص: 452 ] والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر هو المنقول

التالي السابق


( قوله وينبغي للمسلمين ) أي يحرم عليهم أن يغدروا أو يغلوا أو يمثلوا ، والغلول السرقة من الغنيمة ، والغدر الخيانة ونقض العهد ( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تغلوا } إلخ ) تقدم في حديث بريدة ، وقوله عليه الصلاة والسلام { ولا تمثلوا } أي المثلة يقال مثلت بالرجل بوزن ضربت أمثل به بوزن أنصر مثلا ومثلة إذا سودت وجهه أو قطعت أنفه ونحوه .

ذكره في الفائق . وقول المصنف ( والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر هو المنقول ) وقد اختلفت العلماء في ذلك ; فعندنا والشافعي منسوخة كما ذكر قتادة في لفظ في الصحيحين بعد رواية حديث العرنيين قال : فحدثني ابن سيرين أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود . وفي لفظ للبيهقي قال أنس : { ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك خطبة إلا نهى فيها عن المثلة } . وقال أبو الفتح اليعمري في سيرته : من الناس من أبى ذلك ، إلى أن قال : وليس فيها يعني آية الحرابة أكثر مما يشعر به لفظة إنما من الاقتصار في حد الحرابة على ما في الآية .

وأما من زاد على الحرابة جنايات أخر كما فعل هؤلاء كما روى ابن سعد في خبرهم " أنهم قطعوا يد الراعي ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات " فليس في الآية ما يمنع من التغليظ عليهم والزيادة في عقوبتهم فهذا ليس بمثلة ، والمثلة ما كان ابتداء على غير جزاء ، وقد جاء في صحيح مسلم { إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاء } ولو أن شخصا جنى على قوم جنايات في أعضاء متعددة فاقتص منه لما كان التشويه الذي حصل له من المثلة .

وقال : ذكر البغوي في سبب نزولها : يعني آية الجزاء سببا آخر ، وإذا اختلفت في سبب نزول الآية الأقوال وتطرق إليها الاحتمال فلا نسخ .

وحاصل هذا القول أن المثلة بمن مثل جزاء ثابت لم ينسخ ، والمثلة بمن استحق القتل لا عن مثلة لا تحل لا أنها منسوخة ; لأنها لم [ ص: 452 ] تشرع أولا لأن ما وقع للعرنيين كان جزاء تمثيلهم بالراعي ، ولا شك أن قوله { لا تمثلوا } على ما تقدم من رواية الجماعة ونحوها إما أن يكون متأخرا عن مثلة العرنيين فظاهر نسخها أو لا يدرى فيتعارض محرم ومبيح خصوصا والمحرم قول فيتقدم المحرم ، وكلما تعارض نصان وترجح أحدهما تضمن الحكم بنسخ الآخر ، ورواية أنس صريح فيه . وأما من جنى على جماعة جنايات متعددة ليس فيها قتل بأن قطع أنف رجل وأذني رجل وفقأ عين آخر وقطع يد آخر ورجل آخر فلا شك في أنه يجب القصاص لكل واحد أداء لحقه ، لكنه يجب أن يستأتى بكل قصاص بعد الذي قبله إلى أن يبرأ منه وحينئذ يصير هذا الرجل ممثلا به : أي مثلة ضمنا لا قصدا ، وإنما يظهر أثر النهي والنسخ فيمن مثل بشخص حتى قتله ، فمقتضى النسخ أن يقتل به ابتداء ولا يمثل به ، ثم لا يخفى أن هذا بعد الظفر والنصر ، أما قبل ذلك فلا بأس به إذا وقع قتالا كمبارز ضرب فقطع أذنه ثم ضرب ففقأ عينه فلم ينته فضرب فقطع أنفه ويده ونحو ذلك




الخدمات العلمية