الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 78 ] ( ولو قال إن فعلت كذا فعلي غضب الله أو سخط الله فليس بحلف ) لأنه دعاء على نفسه ، ولا يتعلق ذلك بالشرط ; ولأنه غير متعارف ( وكذا إذا قال إن فعلت كذا فأنا زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا ) ; لأن حرمة هذه الأشياء تحتمل النسخ والتبديل فلم تكن في معنى حرمة الاسم ولأنه ليس بمتعارف .

[ ص: 79 ]

التالي السابق


( قوله : ولو قال إن فعلت كذا فعليه غضب الله أو سخطه فليس بحالف ; لأنه دعاء على نفسه ولا يتعلق بالشرط ) أي لا يلزم سببية الشرط له ، غاية الأمر أن يكون نفس الدعاء معلقا بالشرط فكأنه عند الشرط دعا على نفسه ، ولا يستلزم وقوع المدعو بل ذلك متعلق باستجابة دعائه ( ولأنه غير متعارف ، وكذا إن قال إن فعلت كذا فهو زان أو فاسق أو سارق أو شارب خمرا أو آكل ربا ) لا يكون يمينا أما أولا فلأن معنى اليمين أن يعلق ما يوجب امتناعه عن الفعل بسبب لزوم وجوده عند الفعل ، وليس بمجرد وجود الفعل يصير زانيا أو سارقا ; لأنه لا يصير كذلك إلا بفعل مستأنف يدخل في الوجود ، ووجود هذا الفعل ليس لازما ; لوجود المحلوف عليه حتى يكون موجبا امتناعه فلا يكون يمينا ، بخلاف الكفر فإنه بالرضا به يكفر عن غير توقف على عمل آخر أو اعتقاد ، والرضا يتحقق بمباشرة الشرط فيوجب عنده الكفر لولا قول طائفة من العلماء بالكفارة .

وأما ثانيا فلأن حرمة هذه الأشياء تحتمل السقوط ، وهو المراد بقوله تحتمل النسخ والتبديل . أما الخمر فظاهر ، وأما السرقة فعند الاضطرار إلى أكل مال الغير ، وكذا إذا أكرهت المرأة بالسيف على الزنا وحرمة الاسم لا تحتمل السقوط فلم تكن حرمة هذه الأشياء في معنى حرمة الاسم ، وهذا فيه نظر ; لأن كون الحرمة تحتمل الارتفاع أو لا تحتمله لا أثر له ، فإنه إن كان يرجع إلى تحريم المباح فهو يمين مع أن ذلك المباح يحتمل تحريمه للارتفاع ، وإن لم يرجع إليه لا يكون يمينا ، ولا معنى لزيادة كلام لا دخل له ، ولأنه ليس بمتعارف أن يقال إن فعلت فأنا زان فلا يكون يمينا .



[ ص: 79 ] فروع : في تعدد اليمين ووحدتها وغير ذلك ] إذا عدد ما يحلف به بلا واو مع اختلاف اللفظ أو عدم اختلافه فهو يمين واحدة كأن يقول والله الرحمن الرحيم ، أو يقول والله الله ، إلا أن تعليل هذا بأنه جعل الثاني نعتا للأول مؤول ، وكذا بلا اختلاف مع الواو نحو والله والله أو هو بريء من الله ورسوله ، وإن كان بواو في الاختلاف نحو والله والرحمن والرحيم تعددت اليمين بتعددها ، وكذا بواوين مع الاتحاد نحو والله ووالله فيتفرع أنه لو قال والله ووالله والرحمن أنها ثلاثة أيمان ، أو هو بريء من الله وبريء من رسوله فيمينان حتى لو قال هو بريء من الله وبريء من رسوله والله ورسوله منه بريئان إن فعل كذا فهي أربعة أيمان ، فيلزمه لفعل ما سماه أربع كفارات ، هذا كله ظاهر الرواية .

وروى الحسن عن أبي حنيفة أن عليه في المختلفة كفارة واحدة ; لأن الواو الكائنة بين الأسماء للقسم لا للعطف ، وبه أخذ مشايخ سمرقند وأكثر المشايخ على ظاهر الرواية ، فلو قال بواوين كوالله و والرحمن فكفارتان في قولهم . وروى ابن سماعة في غير المختلفة عن محمد نحو والله والله مطلقا هذا قبل ذكر الجواب . أما لو قال والله لا أفعل كذا ثم أعاده بعينه فكفارتان ، وكذا لو قال لامرأته والله لا أقربك ثم قال والله لا أقربك فقربها مرة لزمه كفارتان ، روي ذلك عن أبي يوسف رحمه الله ، وسواء كان في مجلس أو مجالس . وروى الحسن أنه إن نوى بالثاني الخبر عن الأول صدق ديانة ، وهي عبارة متساهل فيها ، وإنما أراد أن يريد بالثاني تكرار الأول وتأكيده ، اختار هذا الإمام أبو بكر محمد بن الفضل قال : فإن نوى به المبالغة أو لم ينو شيئا يلزمه كفارتان ، وقد مر في الإيلاء في التجريد عن أبي حنيفة : إذا حلف بأيمان عليه لكل يمين كفارة والمجلس والمجالس فيه سواء . ولو قال عنيت بالثاني الأول لم يستقم في اليمين بالله سبحانه وتعالى ولو حلف بحجة أو عمرة يستقيم ، وهذا يخالف ما روى الحسن . وفي الخلاصة عن نسخة الإمام السرخسي في أيمان الأصل : إذا حلف على أمر أن لا يفعله ثم حلف في ذلك المجلس أو في مجلس آخر أن لا يفعله أبدا ثم فعله إن نوى يمينا مبتدأة أو التشديد أو لم ينو فعليه كفارة يمينين ، أما إذا نوى بالثاني الأول فعليه كفارة واحدة .

وقدمنا في الإيلاء : لو قال والله لا أكلم فلانا يوما والله لا أكلمه شهرا والله لا أكلمه سنة إن كلمه بعد ساعة فعليه ثلاثة أيمان ; لأنه انعقد على تلك الساعة ثلاثة أيمان يمين اليوم ويمين الشهر ويمين السنة ، فعليه إذا كلمه بعد ساعة ثلاث كفارات ، وإن كلمه بعد يوم فعليه كفارتان ; لأن يمين اليوم انحلت قبله فعليه فبقي على ذلك اليوم يمينان ، وإن كلمه بعد شهر فكفارة واحدة ، وإن كلمه بعد سنة فلا شيء عليه ، وعرف في الطلاق أنه لو قال إن دخلت فأنت طالق إن دخلت فأنت طالق إن دخلت فأنت طالق فدخلت وقع عليها ثلاث تطليقات . وما في الأصل من أنه إذا قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا فهي يمين واحدة ، ولو قال هو يهودي إن فعل كذا هو نصراني إن فعل كذا فيمينان ، يفيد أن في مثله تعدد اليمين منوط بتكرر المحلوف عليه مع تكرر الالتزام بالكفر ، ولو قال أنا بريء من الكتب الأربعة فهي يمين واحدة ، وكذا لو قال هو بريء من التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فهي يمين واحدة . ولو قال هو بريء من التوراة وبريء من الإنجيل وبريء من الزبور وبريء من الفرقان فهي أربعة أيمان ، ولو قال هو شريك اليهودي فهو كقوله يهودي ولو قال بريء من هذه الثلاثين يوما : يعني شهر رمضان إن أراد عن فرضيتها يكون يمينا أو عن أجرها أو لم ينو شيئا لا يكون يمينا ، والاحتياط هو يمين ، ولو قال من الصلاة التي صليتها وحنث لا يلزمه شيء بخلاف قوله من [ ص: 80 ] القرآن الذي تعلمت . واختلف في بريء من الشفاعة . وفي مجموع النوازل : الأصح أنه ليس بيمين .



ولو قال دخلت الدار أمس فقال نعم فقال له والله لقد دخلتها فقال نعم فهو حالف . وروى بشر عن أبي يوسف قال لآخر : إن كلمت فلانا فعبدك حر فقال نعم إلا بإذنك فهذا إن كلمه بغير إذنه يحنث ، ولو قال رجل لآخر الله لتفعلن كذا أو والله لتفعلن كذا فقال الآخر نعم ، فإن أراد المبتدئ الحلف وكذا المجيب فهما حالفان على كل منهما كفارة إن لم يفعل المجيب ; لأن قوله نعم جواب وهو يستدعي إعادة ما في السؤال فكأنه قال نعم والله لأفعلن كذا ، وإن نوى المبتدئ الاستحلاف والمجيب الحلف فالمجيب هو الحالف ، وإن لم ينو كل منهما شيئا فالحالف هو المجيب في قوله الله وفي قوله والله بالواو فالحالف هو المبتدئ .

وإن أراد المبتدئ الاستحلاف فأراد المجيب أن لا يكون عليه يمين . وأن يكون قوله : نعم وعدا بلا يمين فهو كما نوى ولا يمين على واحد منهما ، ولو قال بالله فهو كقوله والله في جميع ذلك ، ولو قال لمديونه إن لم تقض ديني غدا فامرأتك طالق فقال المديون نعم فقال له الرجل قل نعم فقال نعم ، وأراد جوابه يلزمه اليمين ثانيا فتطلق ثنتين وإن دخل بينهما انقطاع . في الفتاوى وفي مجموع النوازل : فقال لآخر والله لا أجيء إلى ضيافتك فقال الآخر ولا تجيء إلى ضيافتي فقال نعم يصير حالفا ثانيا .




الخدمات العلمية