الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن كان من القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين ) فالمذكور في الصبي والمجنون قول أبي حنيفة وزفر .

وعن أبي يوسف أنه لو باشر العقلاء يحد الباقون وعلى هذا السرقة الصغرى . [ ص: 430 ] له أن المباشر أصل ، والرد تابع ولا خلل في مباشرة العاقل ولا اعتبار بالخلل في التبع ، وفي عكسه ينعكس المعنى والحكم .

ولهما أنه جناية واحدة قامت بالكل ، فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة وبه لا يثبت الحكم فصار كالخاطئ مع العامد .

وأما ذو الرحم المحرم فقد قيل تأويله إذا كان المال مشتركا بين المقطوع عليهم ، والأصح أنه مطلق لأن الجناية واحدة على ما ذكرناه [ ص: 431 ] فالامتناع في حق البعض يوجب الامتناع في حق الباقين ، بخلاف ما إذا كان فيهم مستأمن ; لأن الامتناع في حقه لخلل في العصمة وهو يخصه ، أما هنا الامتناع لخلل في الحرز ، والقافلة حرز واحد ( وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء ) لظهور حق العبد على ما ذكرناه ( فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا ) .

التالي السابق


( قوله : وإن كان من القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين ) فتظهر أحكام القصاص وتضمين المال والجراحات .

وفي المبسوط : تابوا وفيهم عبد قطع يد حر دفعه مولاه أو فداه كما لو فعله في غير قطع الطريق ، وهذا ; لأنه قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس فيبقى حكم الدفع والفداء ، فإن كانت فيهم امرأة فعلت ذلك فعليها دية اليد في مالها ; لأنه لا قصاص بين الرجال والنساء في الأطراف ، والواقع منها عمد لا تعقله العاقلة .

قال المصنف ( فالمذكور في الصبي والمجنون قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله . وعن أبي يوسف أنه لو باشر العقلاء ) الأخذ والقتل ( يحد الباقون ) وإن باشر ذلك الصبي والمجنون فلا حد على الباقين .

وقيل كان الوجه أن يقول : وقال أبو يوسف بعد أن قال المذكور في الصبي والمجنون قول أبي حنيفة وزفر ، أو يقول المذكور ظاهر الرواية عن أصحابنا . وعن أبي يوسف كما قال القدوري في شرحه لمختصر الكرخي وغيره ، ولم يذكر قول محمد واكتفى بقوله : العقلاء عن البالغين فإن العقلاء مما يقال في مقابلة الصبيان والمجانين ( وعلى هذا السرقة الصغرى ) إن ولي المجنون أو الصبي [ ص: 430 ] إخراج المتاع سقط الحد عن الكل ، وإن ولي غيرهما قطعوا إلا الصبي والمجنون .

وقالت الأئمة الثلاثة وأكثر أهل العلم : لا يسقط الحد عن غير الصبي والمجنون وذي الرحم ; لأنها شبهة اختص بها واحد فلا يسقط الحد عن الباقين ( لأبي يوسف أن المباشر أصل والردء تابع ، ففي مباشرة العاقل الخلل في التبع ولا عبرة به بعد أن لا خلل في الأصل ) فيحد الباقون ( وفي عكسه ) وهو أن يباشر الصبي والمجنون ( ينعكس المعنى ) وهو السقوط عن الأصل ، فإن السقوط حينئذ في التبع فينعكس الحكم وهو حد الباقين فلا يحدون ( ولهما ) أي لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ( أن قطع الطريق جناية واحدة ) لأن الموجود من الكل يسمى جناية قطع الطريق غير أنها لا تتحقق في الغالب إلا بجماعة فكان الصادر من الكثير جناية واحدة ( قامت بالكل ، فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا ) للحد لشبهة أو عدم تكليف لا يوجب في حق الباقين ; لأن ( فعل الباقين ) حينئذ ( بعض العلة و ) ببعض العلة ( لا يثبت الحكم وصار كالخاطئ مع العامد ) إذا اجتمعا في قتل معصوم الدم يسقط القصاص عن العامد ( وأما ذو الرحم المحرم فقيل تأويله ) أي تأويل سقوط الحد عن الكل ( أن يكون المال مشتركا بين المقطوع عليهم ) وفي القطاع ذو رحم محرم من أحدهم فلا يجب الحد على الباقين باعتبار نصيب ذي الرحم المحرم وتصير شبهة في نصيب الباقين فلا يجب الحد عليهم ; لأن المأخوذ شيء واحد ، فإذا امتنع في حق أحدهم بسبب القرابة يمتنع في حق الباقين ، فأما إذا لم يكن المال مشتركا ; فإن لم يأخذ المال إلا من ذي الرحم المحرم فكذلك ، وإن أخذوا منه ومن غيره يحدون باعتبار المأخوذ من ذلك الغير ( والأصح أنه مجرى على الإطلاق ) وأنهم لا يحدون بكل حال لأن مال جميع القافلة في حق قطاع الطرق كشيء واحد ; لأنه محرز بحرز واحد ، وهو القافلة ( والجناية واحدة ) وهي قطع الطريق [ ص: 431 ]

( فالامتناع في حق البعض لا يوجب الامتناع في حق الباقين ) بخلاف السرقة من حرزين لأن كل واحد من الفعلين هناك منفصل عن الآخر حقيقة وحكما ، وإذا كان في المقطوع عليهم شريك مفاوض لبعض القطاع لا يحدون كذي الرحم المحرم ( قوله بخلاف ما إذا كان فيهم ) أي في المقطوع عليهم وهو القافلة ( مستأمن ) جواب عن مقدر هو أن القطع على المستأمن وحده لا يوجب حد القطع كما على ذي الرحم المحرم ، ثم عند اختلاط ذي الرحم ، القاطع مع غيره من القافلة صار شبهة في الحد ، فكذا يجب عند اختلاط المستأمن كذلك وليس كذلك بل يقام الحد عليهم .

أجاب بأن ( الامتناع في حق المستأمن إنما كان لخلل في عصمة نفسه وماله ، وهو أمر يخصه ، أما هنا الامتناع لخلل في الحرز والقافلة حرز واحد ) فيصير كأن القريب سرق مال القريب وغير القريب من بيت القريب ( وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء إن شاءوا عفوا وإن شاءوا اقتصوا ) ويجري الحال في المال على ما ذكر من قريب ، ولو لم يقع القتل والأخذ إلا في المستأمنين لا حد عليهم ، ولكن يضمنون أموال المستأمنين لثبوت عصمة أموالهم للحال وإن لم يكن معصوما على التأبيد ، والله تعالى أعلم




الخدمات العلمية