الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 297 ] ( وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فأمر القاضي برجمه فضرب رجل عنقه ثم وجد الشهود عبيدا فعلى القاتل الدية ) وفي القياس يجب القصاص ; لأنه قتل نفسا معصومة بغير حق .

وجه الاستحسان أن القضاء صحيح ظاهرا وقت القتل فأورث شبهة ، بخلاف ما إذا قتله قبل القضاء ; لأن الشهادة لم تصر حجة بعد ، ولأنه ظنه مباح الدم معتمدا على دليل مبيح فصار كما إذا ظنه حربيا وعليه علامتهم ، وتجب الدية في ماله ; لأنه عمد ، والعواقل لا تعقل العمد ، ويجب ذلك في ثلاث سنين ; لأنه وجب بنفس القتل ( وإن رجم ثم وجدوا عبيدا فالدية على بيت المال ) ; لأنه امتثل أمر الإمام فنقل فعله [ ص: 298 ] إليه ، ولو باشره بنفسه تجب الدية في بيت المال لما ذكرنا كذا هذا ، بخلاف ما إذا ضرب عنقه ; لأنه لم يأتمر أمره

التالي السابق


( قوله وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فأمر القاضي برجمه إلخ ) استوفى أقسامها في كافي حافظ الدين فقال : إن شهد أربعة على رجل بالزنا فأمر الإمام برجمه فقتله رجل عمدا أو خطأ بعد الشهادة قبل التعديل يجب القود في العمد والدية في الخطإ على عاقلته ، وكذا إذا قتله بعد التزكية قبل القضاء بالرجم ، وإن قضى برجمه فقتله رجل عمدا أو خطأ لا شيء عليه ، وإن قتله عمدا بعد القضاء ثم وجد الشهود عبيدا أو كفارا أو محدودين في قذف فالقياس أن يجب القصاص لأنه قتل نفسا محقون الدم عمدا ، لكنه لما ظهر أن الشهود عبيد تبين أن القضاء لم يصح ولم يصر مباح الدم وقد قتله بفعل لم يؤمر به ، إذ المأمور به الرجم وهو قد حز رقبته فلم يوافق أمر القاضي ليصير فعله منقولا إليه فبقي مقصورا عليه . وفي الاستحسان : تجب الدية بأن قضاء القاضي بالرجم نفذ من حيث الظاهر ، وحين قتله كان القضاء صحيحا فأورث شبهة الإباحة ، وهذا لأنه لو نفذ ظاهرا وباطنا تثبت حقيقة الإباحة ، فإذا نفذ من وجه دون وجه تثبت شبهة الإباحة ، بخلاف ما لو قتله قبل القضاء لأن الشهادة لم تصر حجة : يعني فيقتص منه في العمد فصار كمن قتل إنسانا على ظن أنه حربي وعليه علامتهم ثم ظهر أنه مسلم فعليه الدية في ماله لأنه عمد .

والعاقلة لا تعقل العمد وتجب في ثلاث سنين ; لأنه وجب بنفس القتل ، وما يجب بنفس القتل يجب مؤجلا كالدية ، بخلاف ما وجب بالصلح عن القود حيث يجب حالا ; لأنه مال وجب بالعقد لا بنفس القتل فأشبه الثمن وما في الكتاب لا يخفى بعد ذلك . وقوله : ( وإن رجم ) ضبطه [ ص: 298 ] الأساتذة بالبناء للفاعل ليرجع ضميره إلى الرجل في قوله : فضرب رجل عنقه ، ويطابق قول السرخسي في المبسوط ما في مبسوط شمس الأئمة حيث قال فيه : وإن كان هذا الرجل قتله رجما ثم وجدوا عبيدا تجب الدية في بيت المال ( لما ذكرنا ) يعني في مسألة الجلاد إذا جرح من قوله ينتقل فعل الجلاد إلى القاضي وهو عامل للمسلمين فتجب الغرامة في مالهم ( كذا هذا ) أي الرجل القاتل بالرجم بعد أمر القاضي ( بخلاف ما إذا ضرب عنقه ) ثم ظهروا عبيدا تجب الدية في ماله كما ذكرنا ( لأنه لم يأتمر أمره ) فلم ينتقل فعله إليه كما ذكرناه آنفا ، ولهذا يؤدبه على القتل بالسيف ولا يؤدبه هنا لأنه لم يخالف




الخدمات العلمية