الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 165 ] ( ومن قال كل عبد بشرني بولادة فلانة فهو حر فبشره ثلاثة متفرقين عتق الأول ) لأن البشارة اسم لخبر يغير بشرة الوجه ، ويشترط كونه سارا بالعرف ، وهذا إنما يتحقق من الأول ( وإن بشروه معا عتقوا ) لأنها تحققت من الكل

التالي السابق


( قوله ولو قال كل عبد بشرني بولادة فلانة فهو حر فبشره ثلاثة متفرقين ) أي متعاقبين عتق الأول منهم فقط لأن البشارة إنما تحققت منه لأنها اسم لخبر يغير بشرة الوجه ، ويشترط كونه سارا في العرف ، وأما في اللغة فهو ما يغير البشرة سارا كان أو ضارا ، قال تعالى { فبشرهم بعذاب أليم } ولكن إذا وقع بما يكره قرن بذكر ما به الوعيد كما في الآية المذكورة ، فلو ادعى أنه في اللغة أيضا خاص بالمحبوب ، وما ورد في المكروه فمجاز دفع بمادة اشتقاقه وهي البشرة فإنها تفيد أن لذلك الخبر أثرا في البشرة ، ولا شك أن الإخبار بما يخافه الإنسان يوجب تغير بشرته في المشاهد المعروف كما يتغير بالمحبوب إلا أن على العرف بناء الأيمان ، وإن بشروه معا عتقوا لأن البشارة تحققت من الكل .

قال تعالى { وبشروه بغلام عليم } فنسبها إلى جماعة فحقيقتها تتحقق بالأولية من فرد أو أكثر ، وأصله ما روي أنه { صلى الله عليه وسلم مر بابن مسعود وهو يقرأ القرآن فقال صلى الله عليه وسلم : من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد ، فابتدر إليه أبو بكر وعمر بالبشارة ، فسبق أبو بكر عمر ، فكان ابن مسعود يقول : متى ذكر : بشرني أبو بكر وأخبرني عمر } ولو كان مكان البشارة إخبار بأن قال إن أخبرني والباقي بحاله عتق الكل ، ثم إن عدى بالباء بأن قال إن [ ص: 166 ] أخبرني بقدوم فلان اشترط فيه الصدق لإفادتها إلصاق الخبر بنفس القدوم ولا يخفى أنها إنما يتصور لصوقها الإخبار بنفسه : يعني بنفس القدوم لفظا وهو الواقع في الكذب ، فاشتراط الصدق بناء على أن تحقق الإلصاق إنما يكون بإلصاق الإخبار بنفس الواقع ، بخلاف ما لو قال إن أخبرني أن فلانا قدم عتق كل من أخبره صدقا أو كذبا .

وقد أورد على اشتراط الصدق في البشارة أن تغير البشرة كما يحصل بالأخبار السارة صدقا كذلك يحصل كذبا . وأجيب بما ليس بمفيد ، والوجه فيه نقل اللغة والعرف




الخدمات العلمية