الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن نقب البيت وأدخل يده فيه وأخذ شيئا لم يقطع ) وعن أبي يوسف في الإملاء أنه يقطع لأنه أخرج المال من الحرز وهو المقصود فلا يشترط الدخول فيه ، كما إذا أدخل يده في صندوق الصيرفي فأخرج الغطريفي . ولنا أن هتك الحرز يشترط فيه الكمال تحرزا عن شبهة العدم والكمال في الدخول ، وقد أمكن اعتباره والدخول هو المعتاد . بخلاف الصندوق لأن الممكن فيه إدخال اليد دون الدخول ، وبخلاف ما تقدم من حمل البعض المتاع لأن ذلك هو المعتاد . قال ( وإن طر صرة خارجة من الكم [ ص: 391 ] لم يقطع ، وإن أدخل يده في الكم يقطع ) لأن في الوجه الأول الرباط من خارج ، فبالطر يتحقق الأخذ من الظاهر فلا يوجد هتك الحرز . وفي الثاني الرباط من داخل ، فبالطر يتحقق الأخذ من الحرز وهو الكم ، ولو كان مكان الطر حل الرباط ، ثم الأخذ في الوجهين ينعكس الجواب لانعكاس العلة . وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يقطع على كل حال لأنه محرز إما بالكم أو بصاحبه . قلنا : الحرز هو الكم لأنه يعتمده ، وإنما قصده قطع المسافة [ ص: 392 ] أو الاستراحة فأشبه الجوالق .

التالي السابق


( قوله ومن نقب البيت وأدخل يده فأخذ شيئا لم يقطع ) وهذا ظاهر الرواية عن الكل ولذا لم يذكر الحاكم خلافا ( وروي عن أبي يوسف في الإملاء أنه يقطع ) وهو قول الأئمة الثلاثة لأن إخراج المال من الحرز هو المقصود وقد تحقق ، والدخول فيه لم يفعل قط إلا له فكان هو المقصود من الدخول وقد وجد ، فاعتباره شرطا في القطع بعد المقصود اعتبار صورة لا أثر لها غير ما حصل ( وصار كما إذا أدخل يده في صندوق الصيرفي فأخرج الغطريفي ) أو في الجوالق . والغطريفي : درهم منسوب إلى الغطريف بن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد ، وكانت دراهمه من أعز النقود ببخارى . قال المصنف ( ولنا أن هتك الحرز يشترط فيه الكمال ) وعرفت أن هذا في حيز المنع منهم فأثبته بقوله ( تحرزا عن شبهة العدم ) أي شبهة عدم السرقة وهي مسقطة ، فإن الناقص يشبه العدم ، وقد يمنع نقصان هذه السرقة لأنها أخذ المال خفية من حرز وقد تحقق والدخول ليس من مفهومها ، ولا شرطا لوجودها إذ قد يتحقق هذا المفهوم بلا دخول وقد يتحقق معه ، وفي كلا الصورتين معنى السرقة تام لا نقص فيه ، وكون الدخول هو المعتاد باتفاق الحال لأنه قلما يقدر على إخراج شيء ما لم يبصره بعينه من جوانب البيت فيقصد إليه . وقلما يدخل الإنسان يده من كوة بيت فتقع على مال ثم فرق بينه وبين الصندوق أن الدخول في الصندوق غير ممكن فسقط اعتباره ، بخلاف البيت ( وبخلاف ما تقدم من حمل البعض المتاع فإنه هو المعتاد ) .

( قوله ومن طر ) أي شق ( صرة ) والصرة الهميان والمراد من الصرة هنا [ ص: 391 ] الموضع المشدود فيه دراهم من الكم ( لم يقطع ، وإن أدخل يده في الكم قطع ، لأن في الوجه الأول الرباط من خارج ، فبالطر يتحقق الأخذ من خارج فلا يوجد هتك الحرز . وفي الثاني الرباط من داخل فبالطر يتحقق الأخذ من الحرز وهو الكم ، ولو كان مكان الطر حل الرباط ، ثم الأخذ في الوجهين ينعكس الجواب ) فإذا كان الرباط من خارج يقطع لأنه أخذ الدراهم حينئذ من باطن الكم ، وإن كان الرباط من داخل الكم لا يقطع لأنه حينئذ يأخذها من خارج الكم ، فظهر أن انعكاس الجواب ( لانعكاس العلة وعن أبي يوسف أنه )

أي الطرار ( يقطع على كل حال ) وهو قول الأئمة الثلاثة ، لأن في صورة أخذه من خارج الكم إن لم يكن محرزا بالكم فهو محرز بصاحبه ، وإذا كان محرزا بصاحبه وهو نائم إلى جنبه فلأن يكون محرزا به وهو يقظان والمال يلاصق بدنه أولى ( قلنا : بل الحرز هنا ليس إلا الكم لأن صاحب المال يعتمد الكم ) أو الجيب لا قيام نفسه فصار الكم كالصندوق ، وهذا لأن المطرور كمه إما في حال المشي أو في غيره ، فمقصوده في الأول ليس إلا قطع المسافة لا حفظ المال ، وإن كان الثاني فمقصوده الاستراحة عن حفظ المال وهو شغل قلبه بمراقبته فإنه متعب للنفس فيربطه ليريح نفسه من ذلك ، فإنما اعتمد الربط والمقصود هو المعتبر في هذا الباب ، ألا ترى أن من شق جوالقا على جمل يسير فأخذ ما فيه قطع لأن صاحب المال اعتمد الجوالق فكان السارق منه هاتكا للحرز فيقطع ، ولو أخذ الجوالق بما فيه لا يقطع . وكذا لو سرق من الفسطاط قطع ، ولو سرق نفس الفسطاط لا يقطع ، لأنه ليس محرزا بل ما فيه محرز به فلذا قطع فيما فيه دونه ، بخلاف ما لو كان الفسطاط ملفوفا عنده يحفظه أو في فسطاط آخر [ ص: 392 ] فإنه يقطع به . ولو سرق الغنم من المرعى لا يقطع وإن كان الراعي معها ، لأن الراعي لا يقصد الحفظ بل مجرد الرعي ، بخلاف ما لو كانت في حظيرة بناها لها وعليها باب مغلق فأخرجها منه قطع لأنها بنيت لحفظها .

وعند الأئمة الثلاثة إذا كان الراعي بحيث يراها يقطع لأنها محرزة به . وإن كانت غائبة عن نظره أو هو نائم أو مشغول فليست محرزة ، وكذا إذا أخذ الجوالق بما فيه من الجمال المقطرة يقطع . وبما ذكر من التفصيل في الطر ظهر أن ما يطلق في الأصول من أن الطرار يقطع إنما يأتي على قول أبي يوسف .




الخدمات العلمية