الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا حد على من وطئ جارية ولده وولد ولده وإن قال : علمت أنها علي حرام ) لأن الشبهة حكمية لأنها نشأت عن دليل وهو قوله عليه الصلاة والسلام { أنت ومالك لأبيك } والأبوة [ ص: 256 ] قائمة في حق الجد . قال ( ويثبت النسب منه وعليه قيمة الجارية ) وقد ذكرناه

التالي السابق


( قوله ولا حد على من وطئ جارية ولده أو ولد ولده ) ، وإن كان ولده حيا ، وإن لم تكن له ولاية تملك مال ابن ابنه حال قيام ابنه ، وتقدمت هذه المسألة في باب نكاح الرقيق ثم في الاستيلاد ، وهذا لأن الشبهة حكمية ; لأنها عن دليل هو ما رواه ابن ماجه عن جابر بسند صحيح نص عليه ابن القطان والمنذري عن جابر { أن رجلا قال : يا رسول الله إن لي مالا وولدا وأبي يريد أن يجتاح مالي ، فقال : أنت ومالك لأبيك } .

وأخرج الطبراني في الأصغر والبيهقي في دلائل النبوة عن جابر { جاء رجل إليه عليه الصلاة والسلام فقال : يا رسول الله إن أبيه يريد أن يأخذ ماليه ، فقال عليه الصلاة والسلام : ادعه ليه ، فلما جاء قال له عليه الصلاة والسلام : إن ابنك يزعم أنك تريد أن تأخذ ماله ، فقال : سله هل هو إلا عماته أو قراباته أو ما أنفقه على نفسي وعيالي ، قال : فهبط جبريل عليه السلام فقال : يا رسول الله إن الشيخ قال في نفسه شعرا لم تسمعه أذناه ، فقال له عليه الصلاة والسلام : قلت في نفسك شعرا لم تسمعه أذناك فهاته ، فقال : لا يزال يزيدنا الله بك بصيرة ويقينا ، ثم أنشأ يقول :

غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت
لسقمك إلا ساهرا أتململ [ ص: 256 ] تخاف الردى نفسي عليها وإنها
لتعلم أن الموت حتم موكل كأني أنا المطروق دونك بالذي
طرقت به دوني فعيني تهمل فلما بلغت السن والغاية التي
إليك مراما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل فأوليتني حق الجوار ولم تكن
علي بمال دون مالك تبخل

قال : فبكى صلى الله عليه وسلم ثم أخذ بتلبيب ابنه وقال : اذهب أنت ومالك لأبيك
} . وروي حديث جابر الأول من طرق كثيرة .

وقول المصنف بعد هذا ( ويثبت النسب ) يقتضي بإطلاقه أن يثبت نسب ولد الجارية من وطء والد سيدها وجده ، وإن كان ولده الذي هو سيد الأمة حيا فإنه قال في وضع المسألة : لا حد على من وطئ جارية ولده وولد ولده ، ثم قال : ويثبت النسب : أي من واطئ جارية ولده وولد ولده ، لكنه إنما أراد من وطئ جارية ولده فقط بدليل قوله : وعليه قيمة الجارية وهو فرع تملكها والجد لا يتملكها حال حياة الأب . وما وقع في نسخ النهاية مما نقله عن خزانة الفقه لأبي الليث : إذا زنى بجارية نافلته والأب في الأحياء ، وقال : ظننت أنها علي حرام لا يحد ويثبت النسب يجب الحكم بغلطه ، وأنه سقط عنه لفظة لا لأن جميع الشارحين لهذا المكان مصرحون بعدم ثبوته ، ونفس أبي الليث صرح في شرح الجامع الصغير أنه لا يثبت لأنه محجوب بالأب . وصرح به في الكافي .

وفي المبسوط : أن من وطئ جارية ولد ولده فجاءت بولد فادعاه فإن كان الأب حيا لم تثبت دعوة الجد إذا كذبه . وكذا الولد لأن صحة الاستيلاد تبتني على ولاية نقل الجارية إلى نفسه وليس للجد ولاية ذلك في حياة الأب ، ولكن إن أقر به ولد الولد عتق بإقراره لأنه زعم أنه ثابت النسب من الجد وأنه عمه فيعتق عليه بالقرابة ، ولا شيء على الجد من قيمة الأمة لأنه لم يتملكها ، وعليه العقر لأن الوطء ثبت بإقراره وسقط الحد للشبهة الحكمية وهي البنوة فيجب العقر ، وكذلك إن كانت ولدته بعد موت الأب لأقل من ستة أشهر ; لأنا علمنا أن العلوق كان في حياة الأب وأنه لم يكن للجد عند ذلك ولاية نقلها إلى نفسه ، وإن كانت ولدته بعد موته بستة أشهر فهو مصدق في الدعوة ، صدقه ابن الابن أو كذبه ; لأن العلوق حصل بعد موت الأب ، والجد عند عدم الأب كالأب في الولاية فله أن ينقلها إلى نفسه بدعوة الاستيلاد




الخدمات العلمية