4140 ص: وأما النظر في ذلك فإنا قد رأينا أشياء قد فرضت على العباد مما جعل لها وقت خاص، وأشياء فرضت [عليهم] مما جعل الدهر كله وقتا لها، منها الصلوات فرضت عليهم في أوقات خاصة تؤدى في تلك الأوقات بأسباب متقدمة لها من التطهر بالماء وستر العورة. .
ومنها الصيام في كفارات الظهار وكفارات الصيام و [كفارات] القتل؛ جعل ذلك على المظاهر والقاتل لا في أيام بعينها بل جعل الدهر كله وقتا لها، وكذلك كفارة اليمين جعلها الله -عز وجل- على الحانث في يمينه، وهي إطعام عشرة مساكين أو
[ ص: 229 ] كسوتهم، أو تحرير رقبة، ثم جعل الله -عز وجل- لمن فرض عليه الصلاة بالأسباب التي تتقدمها والأسباب المفعولة فيها في ذلك عذرا لمن منع منه، فمن ذلك ما جعل له في عدم الماء من سقوط الطهارة بالماء والتيمم، ومن ذلك ما جعل لمن منع من ستر العورة أن يصلي بادي العورة، . ومن ذلك ما جعل لمن منع من القبلة أن يصلي إلى غير قبلة، ومن ذلك ما جعل للذي منع من القيام أن يصلي قاعدا يركع ويسجد فإن منع من ذلك أيضا أومأ إيماء، فجعل له ذلك وإن كان بقي عليه من الوقت ما قد يجوز أن يذهب عنه ذلك العذر ويعود إلى حاله قبل العذر، وهو في الوقت لم يفته، وكذلك جعل لمن لا يقدر على الصوم في الكفارات التي أوجب الله -عز وجل- عليه فيها صيام، لمرض حل به مما قد يجوز برؤه منه بعد ذلك ورجوعه إلى حال الطاقة لذلك الصوم، فجعل له ذلك عذرا في إسقاط الصوم عنه به، ولم يمنع من ذلك إذا كان ما جعل عليه من الصوم لا وقت له، وكذلك فيما ذكرنا من الإطعام في الكفارات والعتق فيها والكسوة إذا كان الذي فرض عليه معدما وقد يجوز أن يجد بعد ذلك، فيكون قادرا على ما أوجب الله -عز وجل- عليه من ذلك من غير فوات لوقت شيء مما كان أوجب عليه فعله فيه، فلما كانت هذه الأشياء يزول فرضها بالضرورة فيها، وإن كان لا يخاف فوت وقتها فجعل ذلك وما خيف فوت وقته سواء من الصلوات في أواخر أوقاتها وما أشبه ذلك؛ فالنظر على ما ذكرت أن تكون كذلك العمرة، وإن كان لا وقت لها أن يباح في الضرورة فيها له ما يباح بالضرورة في غيرها مما له وقت معلوم، فثبت بما ذكرنا قول من ذهب إلى أنه قد يكون كما يكون الإحصار بالحج سواء، وهذا قول الإحصار بالعمرة أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، -رحمهم الله-.