الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4381 ص: وقالوا: أما ما ذكرتم من فعل النبي -عليه السلام- فلا حجة لكم في ذلك؛ لأنا نحن لا ننكر أن لزوج الحائض منها ما فوق الإزار فيكون هذا الحديث حجة علينا، بل نحن نقول: له منها ما فوق الإزار وما تحته إذا اجتنب مواضع الدم كما له أن يفعل

                                                [ ص: 421 ] ذلك قبل حدوث الحيض، وإنما هذا الحديث حجة على من أنكر أن لزوج الحائض منها ما فوق الإزار، فأما من أباح ذلك له فإن هذا الحديث ليس بحجة عليه، وعليكم البرهان بعد، لقولكم: إنه ليس له منها إلا ذلك.

                                                وقد روي عن عائشة في هذا عن النبي -عليه السلام- ما يوافق ما ذهبنا نحن إليه ويخالف ما ذهبتم أنتم إليه، وهي أحد من رويتم عنها ما كان رسول الله -عليه السلام- يفعل بنسائه إذا حضن ما ذكرتم من ذلك.

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا أحمد بن يونس ، قال: ثنا زهير ، قال: ثنا أبو إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عائشة -رضي الله عنه- قالت: " كان رسول الله -عليه السلام- يباشرني في شعار واحد وأنا حائض، ولكنه كان أملككم -أو أملك- لإربه".

                                                فهذا على أنه كان يباشرها في إزار واحد، ففي ذلك إباحة ما تحت الإزار، فلما جاء هذا عنها، وقد جاء عنها أنه كان يأمرها أن تأتزر ثم يباشرها، كان هذا عندنا على أنه كان يفعل هكذا مرة وهكذا مرة، وفي ذلك إباحة المعنيين جميعا.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عما قاله أهل المقالة الأولى من استدلالهم فيما ذهبوا إليه بفعل النبي -عليه السلام-، أي قال أهل المقالة الثانية: أما ما ذكرتم من فعل النبي -عليه السلام- وهو أنه كان يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض فلا حجة لكم في ذلك؛ لأنه لا يتم به الاستدلال، لأنا لا ننكر أن لزوج الحائض أن يباشر منها ما فوق الإزار حتى يكون هذا الحديث حجة علينا، وهو معنى قوله: "فيكون هذا الحديث حجة علينا" بنصب "فيكون"؛ لأنه جواب النفي، و"أن" الناصبة مقدرة فيه، بل نحن نقول: له أن يباشرها ما فوق الإزار وما تحته أيضا إذا اجتنب مواضع الدم، كما جاز له أن يفعل ذلك قبل حدوث الحيض، وهذا الحديث إنما هو حجة على من أنكر أن يباشرها فيما فوق الإزار وهي حائض، كما ذهب إليه عبيدة السلماني وغيره؛ فإنهم منعوا زوج الحائض عن المباشرة مطلقا، فأما الذين أباحوا ذلك له، فإن هذا الحديث ليس بحجة عليهم، فإذا كان كذلك فقد دل هذا الحديث على إباحة المباشرة فيما

                                                [ ص: 422 ] فوق الإزار، ولا يستلزم ذلك نفي المباشرة فيما تحت الإزار فحينئذ يجب عليكم أن تأتوا ببرهان يدل على مدعاكم أنه ليس له منها إلا ما فوق الإزار.

                                                ومع هذا روي عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -عليه السلام- في هذا الباب ما يوافق ما ذهبنا إليه، ويخالف ما ذهبتم أنتم إليه، والحال أنها أحد من رويتم عنها ما كان رسول الله -عليه السلام- يفعل بنسائه إذا حضن، وهي أنها قالت: "كان رسول الله -عليه السلام- يباشرني في شعار واحد".

                                                فهذا يدل على إباحة المباشرة فيما تحت الإزار، وبقي الكلام في التوفيق بين روايتي عائشة -رضي الله عنها-، وقد أشار إليه بقوله: "فلما جاء هذا عنها ... " إلى آخره، أي فلما جاءه هذا الحديث عن عائشة وهو قولها: "كان رسول الله -عليه السلام- يباشرني في شعار واحد" وقد جاء عنها أيضا: "أنه كان يأمرها أن تأتزر ثم يباشرها" كان هذا محمولا على أنه كان يفعل هكذا مرة وهكذا مرة، وفي ذلك إباحة المعنيين جميعا فيرتفع بذلك التناقض بين الروايتين ويحصل التوفيق بينهما، ففي هذا الإعمال بالروايتين، وفيما ذكر هؤلاء الإعمال بإحداهما والإهمال بالأخرى، فالإعمال أولى من الإهمال.

                                                ثم إنه أخرج حديث عائشة -رضي الله عنها- بإسناد صحيح، عن فهد بن سليمان ، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري ومسلم وأبي داود ، عن زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي روى له الجماعة سوى ابن ماجه ، عن عائشة -رضي الله عنها-.

                                                وأخرجه الجماعة بوجوه مختلفة، ولكن البيهقي أخرجه في "سننه": نحوه من حديث زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عائشة: "كان رسول الله -عليه السلام- يباشرني في شعار واحد وأنا حائض، ولكنه كان أملككم لإربه -أو يملك إربه-".

                                                [ ص: 423 ] فقال البخاري: نا إسماعيل بن خليل، قال: أنا علي بن مسهر، قال: أنا أبو إسحاق -هو الشيباني- عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه، عن عائشة قالت: "كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله -عليه السلام- أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضها ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إربه كما كان النبي -عليه السلام- يملك إربه؟! ".

                                                وقال مسلم: نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا علي بن مسهر ، عن الشيباني .

                                                وحدثني علي بن حجر السعدي -واللفظ له- قال: أنا علي بن مسهر، قال: أنا أبو إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه، عن عائشة نحوه.

                                                وقال أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا جرير ، عن الشيباني ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه، عن عائشة قالت: "كان رسول الله -عليه السلام- يأمرنا في فوح حيضتنا أن تتزر ثم يباشرها، وأيكم كان يملك إربه؟ كان رسول الله -عليه السلام- يملك إربه؟ ".

                                                وأما رواية البقية الثلاثة فقد ذكرناها في أول الباب.

                                                قوله: "في شعار واحد". الشعار -بكسر السين-: الثوب الذي يلي الجسد؛ لأنه يلي شعره.

                                                قوله:"لإربه" أكثر الروايات فيه بكسر الهمزة وسكون الراء، ومعناه: عضوه الذي يستمتع به، الفرج. ورواه جماعة بفتح الهمزة والراء ومعناه: حاجته، وهي شهوة الجماع، واختار الخطابي هذه الرواية وأنكر الأولى وعابها على المحدثين، وفي رواية: "أيكم أملك لنفسه"، والمقصود أنه -عليه السلام- أملككم لنفسه، فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع في المحرم وهو مباشرة فرج الحائض.

                                                [ ص: 424 ] قوله: "في فور حيضتنا". بفتح الفاء وإسكان الواو أي في معظم حيضتنا ووقت كثرتها، والحيضة ها هنا بفتح الحاء أراد بها الحيض وذلك معنى قوله: "في فوح حيضتنا" وهو بالحاء المهملة.




                                                الخدمات العلمية