الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4164 ص: فإن قال قائل: إن معنى ما أحل للنبي -عليه السلام- ها هنا هو شهر السلاح فيها للقتال وسفك الدماء لا غير ذلك، قيل له: هذا محال، لو كان الذي أبيح للنبي -عليه السلام- منها هو ما ذكرت خاصة إذا لم يقل: "ولا تحل لأحد بعدي" وقد رأيناهم أجمعوا أن المشركين لو غلبوا على مكة ، فمنعوا المسلمين منها أنه حلال للمسلمين قتالهم وشهر السلاح بها وسفك الدماء، وإن حكم من بعد النبي -عليه السلام- في ذلك في إباحتها في حكم النبي -عليه السلام-، فدل ذلك أن المعنى الذي كان النبي -عليه السلام- خص به فيها وأحلت له من أجله ليس هو القتال، وإذا انتفى أن يكون هو القتال ثبت أنه الإحرام، ألا ترى إلى قول عمرو بن سعيد 5 لأبي شريح: " : ( إن الحرم لا يمنع سافك دم ولا مانع خربة ولا خالع طاعة". جوابا لما حدث به أبو شريح عن النبي -عليه السلام- فلم ينكر ذلك عليه أبو شريح، ، ولم يقل له: إن النبي -عليه السلام- إنما أراد بما حدثتك عنه أن الحرم قد يجير كل الناس، ولكن عرف ذلك فلم ينكره.

                                                وهذا عبد الله بن عباس فقد روى ذلك عن النبي -عليه السلام- ثم قال في رواية: "لا يدخل أحد الحرم إلا بإحرام" وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله، فدل قوله: هذا أن ما روى عن النبي -عليه السلام- فيما أحلت له ليس هو على إظهار السلاح بها، وإنما هو على المعنى الآخر؛ لأنه لما انتفى هذا القول ولو لم يكن غيره ثبت القول الآخر.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: كيف تقول: فدل ذلك أن النبي -عليه السلام- كان دخلها وهي له حلال فلذلك كان له دخولها بغير إحرام وإنما الذي حل للنبي -عليه السلام- منها هو شهر السلاح فيها للقتال وسفك الدماء لا غير؟ وهذا السؤال من جهة أهل المقالة الأولى قصدوا به تقرير مذهبهم، وهو جواز دخول الحرم بغير إحرام؛ لأنه -عليه السلام- دخل عام الفتح بغير إحرام، ونحن لما قلنا: لا يجوز دخولها بغير إحرام،

                                                [ ص: 279 ] وقلنا: دخول النبي -عليه السلام- كان ومكة حلال له حينئذ، وهو من خصائصه فلا يجوز لغيره ذلك، قالوا لم يكن ما حل له من ذلك إلا شهر السلاح وسفك الدماء لا غير.

                                                وتقرير الجواب أن يقال: هذه الدعوى ممنوعة؛ إذ لو صحت لما كان لقوله: "ولا تحل لأحد بعدي" فائدة؛ لأنكم مجمعون معنا في أن أهل الشرك لو غلبوا على مكة -والعياذ بالله- ومنعوا المسلمين منها جاز حينئذ قتال المسلمين فيها وشهر السلاح وسفك الدماء فيستوي في ذلك حينئذ حكم النبي -عليه السلام- وحكم غيره في إباحتها، فعلم من ذلك أن ما كان حل منها للنبي -عليه السلام- لم يكن لأجل القتال وإنما كان خاصا له، ثم أوضح ذلك بقوله: "ألا ترى ... " إلى آخره، وبقوله: "وهذا عبد الله بن عباس ... " إلى آخره.

                                                قوله: "وإنما هو على المعنى الآخر" وهو كون دخول النبي -عليه السلام- مكة بغير إحرام من خصائصه وهو المراد أيضا من قوله: "ثبت القول الآخر".




                                                الخدمات العلمية