الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4395 4396 4397 4398 4399 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: قد روي [هذا] عن عبد الله بن عمر كما ذكرتم، وروي عنه خلافه:

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا عبد الله بن صالح (ح).

                                                وحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قالا: ثنا الليث -قال ابن وهب في حديثه: عن الحارث بن يعقوب، وقال عبد الله بن صالح: حدثني الحارث بن يعقوب- عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: "قلت لابن عمر: ما

                                                [ ص: 442 ] تقول في الجواري، أنحمض لهن؟ قال: وما التحميض ؟ فذكرت الدبر، فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟! ".

                                                فقد ضاد هذا عن ابن عمر ما قد رواه عنه أهل المقالة الأولى، والدليل على صحة هذا: إنكار سالم بن عبد الله أن يكون ذلك من أبيه.

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا عطاف بن خالد ، عن موسى بن عبد الله بن حسن، أن أباه سأل سالم بن عبد الله أن يحدثه بحديث نافع ، عن ابن عمر: " أنه كان لا يرى بأسا بإتيان النساء في أدبارهن، فقال سالم: كذب العبد -أو أخطأ- إنما قال: لا بأس أن يؤتين في فروجهن من أدبارهن".

                                                ولقد قال ميمون بن مهران: " : إن نافعا إنما قال ذلك بعدما كبر وذهب عقله".

                                                حدثنا بذلك فهد، ، قال: ثنا علي بن معبد، ، قال: ثنا عبيد الله، ، عن ميمون بن مهران، . فقد يضعف ما هو كثر من هذا بأقل من قول ميمون، . ولقد أنكره نافع أيضا على من رواه عنه:

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا زكريا بن يحيى كاتب العمري ، قال: ثنا المفضل بن فضالة ، عن عبد الله بن عياش ، عن كعب بن علقمة ، عن أبي النضر ، أنه أخبره قال لنافع مولى عبد الله بن عمر: " : أنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر ، أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن، قال نافع: : كذبوا علي ولكن سأخبرك كيف الأمر، إن ابن عمر -رضي الله عنهما- عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: يا نافع ، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا، قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار ، أردنا منهن مثل ما كنا نريد فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله -عز وجل-: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ففي هذا الحديث إنكار نافع لما روي عنه عن ابن عمر من إباحة وطء النساء في أدبارهن وإخبار منه عن ابن عمر ، أن تأويل قول الله -عز وجل-:

                                                [ ص: 443 ] نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ليس على ما تأوله أهل المقالة الأولى، ولكن على إباحة وطء النساء باركات في فروجهن. .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عما رواه مالك ، عن عبد الله بن عمر من إباحة وطء النساء في أدبارهن، بيان ذلك أن يقال: سلمنا أن ما ذكرتم روي عن ابن عمر رواه عنه سعيد بن يسار، ولكن روى سعيد بن يسار عنه أيضا ما يضاده ويخالفه وهو ما أخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن فهد بن سليمان ، عن عبد الله بن صالح -وراق الليث بن سعد، وشيخ البخاري- عن الليث بن سعد قال: حدثني الحارث بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: ... إلى آخره.

                                                وأخرجه الدارمي في "مسنده": أنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني الحارث بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: "قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري أحمضهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكرت الدبر، قال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟".

                                                الثاني: عن ربيع بن سليمان المؤذن -صاحب الشافعي- عن عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، عن الحارث بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار ... إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "أنحمض" بالحاء المهملة والضاد المعجمة، يقال: أحمضت الرجل عن الأمر أي حولت عنه وهو من أحمضت الإبل إذا ملت من رعي الخلة وهو الحلو من النبات واشتهت الحمض فتحولت إليه ومنه قيل للتفخيذ في الجماع: تحميض فهذا قد ضاد وخالف ما رواه أهل المقالة الأولى عن ابن عمر مع ما فيه من الإنكار البليغ حيث نسب ابن عمر من يفعل ذلك إلى الخروج من زمرة المسلمين فدل ذلك أن ما روي عنه في إباحة ذلك ساقط غير صحيح.

                                                [ ص: 444 ] قوله: "والدليل على صحة هذا إنكار سالم بن عبد الله أن يكون هذا من أبيه". أي الدليل على صحة مضادة هذه الرواية ما رواه أهل المقالة الأولى وعلى صحة هذه الرواية وسقوط ما رواه أهل المقالة الأولى إنكار سالم بن عبد الله بن عمر أن يكون ذلك -أي خبر إباحة إتيان النساء في أدبارهن- من أبيه؛ حيث قال: كذب العبد أو أخطأ يعني نافعا مولى أبيه عبد الله وذلك لما قال نافع عن ابن عمر "أنه كان لا يرى بأسا بإتيان النساء في أدبارهن" أخرج ذلك عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن الحكم -المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري- عن عطاف بن خالد بن عبد الله بن العاص القرشي المخزومي أبي صفوان المدني، وثقه يحيى وأحمد وأبو داود، وروى له الترمذي والنسائي وأبو داود في القدر، عن موسى بن عبد الله بن حسين بن حسن العلوي -وثقه ابن معين، وقال البخاري: فيه نظر- عن أبيه عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال يحيى بن معين: ثقة مأمون، وقال الواقدي: كان من العباد -عن سالم بن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-.

                                                قوله: "ولقد قال ميمون بن مهران ... إلى آخره" إشارة إلى وجه آخر في فساد ما روي عن نافع ، عن ابن عمر في إباحة إتيان النساء في أدبارهن والحاصل أنه بين فساد رواية نافع عن مولاه التي احتج بها أهل المقالة الأولى بثلاثة أشياء:

                                                الأول: أن سالما قد كذبه في هذا أو نسبه إلى الخطأ، وفي رواية قال: "كذب العلج على أبي -يعني نافعا- كما كذب عكرمة على ابن عباس" .

                                                الثاني: أن ميمون بن مهران الجزري الأسدي قال: "إنما قال ذلك نافع بعد ما ذهب عقله"، قال الطحاوي: حدثنا بذلك -أي بما روي عن ميمون هذا- فهد بن سليمان ، عن علي بن معبد بن شداد العبدي الرقي -نزيل مصر- عن عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي الرقي ، عن ميمون .

                                                فيكون هذا الكلام عن نافع وقت خرفه فلا يعبأ به وقد يضعف ما هو أكثر من هذا بما هو أقل مما قال ميمون .

                                                [ ص: 445 ] الثالث: أن نافعا نفسه أنكر هذا القول على من رواه عنه أشار إليه بقوله: ولقد أنكره نافع أيضا على من رواه عنه. وقد علم أن الراوي إذا أنكر ما روي عنه يسقط الاحتجاج به ويفسد ذلك الخبر. أخرج ذلك بإسناد صحيح عن يزيد بن سنان القزاز -شيخ النسائي أيضا- عن زكريا بن يحيى كاتب العمري وهو زكريا بن يحيى بن صالح بن يعقوب القضاعي أبو يحيى المصري الحرسي- كاتب العمري القاضي واسمه عبد الرحمن بن عبد الله، روى عنه مسلم وغيره، قال ابن يونس: وكانت القضاة تقبله، عن المفضل بن فضالة بن عبيد أبي معاوية المصري قاضي مصر، روى له الجماعة، عن عبد الله بن عياش -بالياء آخر الحروف بالشين المعجمة- ابن عباس -بالباء الموحدة والسين المهملة- القتباني المصري - وثقه ابن حبان، وروى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه- عن كعب بن علقمة بن كعب التنوخي أبي عبد الحميد المصري، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي -عن أبي النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية القرشي المقرئ -روى له الجماعة- عن نافع ... إلى، آخره. وأخرجه الجصاص في أحكامه معلقا من حديث المفضل بن فضالة ... إلى آخره.

                                                قوله: "قد أكثر عليك" القول على صيغة المجهول.

                                                قوله: "تجبى النساء" من التجبية بالجيم وقد ذكرناه ويجوز أن يكون بالحاء المهملة والنون من التحنية وثلاثيه حنا يحنو إذا طأطأ رأسه أسفل شبه الراكع.




                                                الخدمات العلمية