الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4149 ص: فإن قال قائل: فقد رأينا في الحج حكما يخالف حكم الصلاة، وذلك أن الله -عز وجل- إنما أوجب الحج على من وجد إليه سبيلا، ولم يوجبه على غيره، فكان من لم يجد سبيلا إلى الحج ، فلا حج عليه كالصبي الذي لم يبلغ، ثم قد أجمعوا أن من لم يجد سبيلا إلى الحج ، فحمل على نفسه ومشى حتى حج أن ذلك يجزئه، وإن وجد سبيلا بعد ذلك لم يجب عليه أن يحج ثانية للحجة التي قد كان حجها قبل وجود السبيل، فكان النظر على ذلك أن يكون كذلك الصبي إذا حج قبل البلوغ ففعل ما لم يجب عليه أجزأه ذلك ولم يجب عليه أن يحج ثانية بعد البلوغ.

                                                قيل له: إن الذي لا يجد السبيل إنما سقط الفرض عنه لعدم الوصول إلى البيت، ، فإذا مشى فصار إلى البيت، ، فقد بلغ البيت ، وصار من الواجدين السبيل، فوجب الحج عليه لذلك، فلذلك أجزأه حجه لأنه صار بعد بلوغه كمن كان منزله هنالك فعليه الحج، . وأما الصبي ففرض الحج غير واجب عليه قبل وصوله لي البيت ، وبعد وصوله إليه؛ لرفع القلم عنه، فإذا بلغ بعد ذلك فحينئذ وجب عليه فرض الحج، . فلذلك قلنا: إن ما قد كان من حجه قبل بلوغه لا يجزئه وأن عليه أن يستأنف الحج بعد بلوغه كمن لم يكن حج قبل ذلك، فهذا هو النظر أيضا في هذا، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: قياس الحج على الصلاة في حكم الصبي غير مطرد؛ لأن في الحج حكما يخالف حكم الصلاة، وهو أن الحج إنما وجب على واجد

                                                [ ص: 250 ] السبيل فمن لم يجد سبيلا لا حج عليه كالصبي غير البالغ، ثم أنه إذا حمل على نفسه وحج يقع ذلك عن حجة الإسلام، حتى إذا وجد بعد ذلك سبيلا لا تجب عليه حجة أخرى، فالقياس على ذلك أن يكون حكم الصبي كذلك إذا حج قبل البلوغ الذي ليس عليه، ولا تجب عليه حجة أخرى.

                                                وتقرير الجواب أن يقال: إنما سقط الفرض عن الذي لا يجد السبيل لعدم ما يوصله إلى البيت، فإذا تحمل ذلك بالمشي فقد وصل إلى البيت وصار من الواجدين السبيل، فوقع عن فرضه، فلا تجب عليه حجة أخرى، بخلاف الصبي فإن عدم الفرض عليه لارتفاع القلم عنه، وسواء في حقه الوصول إلى البيت وعدمه، فإذا بلغ توجه عليه الخطاب، ووجب عليه الحج ثانيا والله أعلم.

                                                قوله: "وهذا قول أبي حنيفة" أي هذا الذي ذكر من وجوب الحج على الصبي الذي قد حج قبل البلوغ ثم بلغ قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وهو قول إبراهيم النخعي أيضا والحسن البصري والزهري وطاوس .

                                                وأما العبد فقد ذكرنا حكمه عن قريب.

                                                وقال أبو عمر: اختلف العلماء في المراهق والعبد يحرمان بالحج ثم يحتلم هذا ويعتق هذا قبل الوقوف بعرفة، فقال مالك وأصحابه: لا سبيل إلى رفض الإحرام لهذين ولا لأحد، متمسكين بقوله: وأتموا الحج والعمرة لله ومن رفض إحرامه فلم يتم حجه ولا عمرته.

                                                وقال أبو حنيفة: جائز للصبي إذا بلغ قبل الوقوف بعرفة أن يجدد إحراما، فإن تمادى على إحرامه ذلك لم يجزئه عن حجة الإسلام.

                                                وقال أبو حنيفة: إن وصل العبد مع مولاه مكة فلم يحرم من الميقات ثم أذن له فأحرم من مكة بالحج فعليه الدم إذا عتق لتركه الميقات.

                                                [ ص: 251 ] قال أبو عمر: إنما أوجبوا الدم على العبد في تركه الميقات على مذهبهم لأنه لا يجوز للعبد أن يدخل مكة بغير إحرام وهو والحر في ذلك سواء، وليس الصبي والنصراني كذلك؛ لأنه لا يلزمهما الإحرام لدخول مكة لسقوط الفرض عن كل واحد منهما، فإذا أسلم الكافر وبلغ الصبي مكة كان حكمهما حكم المكي ولا شيء عليهما في ترك الميقات، وقال مالك في النصراني يسلم عشية عرفة فيحرم بالحج: أجزأه من حجة الإسلام ولا دم عليه وكذلك العبد يعتق والصبي يبلغ إذا لم يكونا محرمين.

                                                وقال الشافعي: إذا أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة فوقف بها محرما أجزأه من حجة الإسلام، وكذلك العبد ولم يحتج إلى تجديد إحرام واحد منهما، قال: ولو عتق العبد بمزدلفة وبلغ الصبي بها فرجعا إلى عرفة بعد العتق والبلوغ فأدركا الوقوف بها قبل طلوع الفجر أجزأه عنهما من حجة الإسلام، ولم يكن عليهما دم.

                                                ***




                                                الخدمات العلمية