الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4005 ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يلبي الحاج حتى يرمي جمرة العقبة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح وطاوسا وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وابن أبي ليلى والحسن بن حيي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وداود بن علي وأبا عبيد والطبري؛ فإنهم قالوا: يلبي الحاج ولا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وميمونة -رضي الله عنهم-.

                                                ثم اختلف بعض هؤلاء، فقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور: يقطع التلبية مع أول حصاة يرميها من جمرة العقبة، وقال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر: لا يقطعها حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها، قالوا: وهو

                                                [ ص: 81 ] ظاهر الحديث: "إن رسول الله -عليه السلام- لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة" ولم يقل: حتى رمى بعضها.

                                                قلت: روى البيهقي: من حديث شريك ، عن عامر بن شقيق ، عن أبي وائل ، عن عبد الله: "رمقت النبي -عليه السلام- فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة".

                                                فإن قيل: أخرج ابن خزيمة في "صحيحه": عن الفضل بن عباس قال: "أفضت مع رسول الله -عليه السلام- من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة".

                                                قلت: قال البيهقي: هذه زيادة غريبة ليست في الروايات عن الفضل، وإن كان ابن خزيمة قد اختارها، وقال الذهبي: فيه نكارة.

                                                وقوله: "يكبر مع كل حصاة" يدل على أنه قطع التلبية مع أول حصاة، وهذا ظاهر لا يخفى.

                                                فإن قيل: هذا حكم الحاج، فما حكم المعتمر؟.

                                                قلت: قال قوم: يقطع المعتمر التلبية إذا دخل الحرم، وقال قوم: لا يقطعها حتى يرى بيوت مكة، وقال قوم: حتى يدخل بيوت مكة، وقال أبو حنيفة: لا يقطعها حتى يستلم الحجر، فإذا استلمه قطعها.

                                                وقال الليث: إذا بلغ إلى الكعبة قطعها.

                                                وقال الشافعي: لا يقطعها حتى يفتتح الطواف.

                                                وقال مالك: إن أحرم من الميقات قطعها إذا دخل الحرم، وإن أحرم من الجعرانة أو من التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة، أو إذا دخل المسجد، واستدل أبو حنيفة

                                                [ ص: 82 ] بما رواه وكيع ، عن عمر بن ذر ، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس: "لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الركن".

                                                وقال ابن حزم: والذي نقول به فهو قول ابن مسعود، أنه لا يقطعها حتى يتم جميع عمل العمرة.




                                                الخدمات العلمية