الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4422 4423 4424 4425 ص: وقد احتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضا بما حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا ابن أبي مريم ، قال: أنا ابن لهيعة ، عن محمد بن زيد بن المهاجر، عن محمد بن كعب القرظي " ، أنه كان لا يرى بأسا بإتيان النساء في أدبارهن، ويحتج بقول الله -عز وجل- في ذلك: أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون أي من أزواجكم مثل ذلك إن كنتم تشتهون".

                                                قيل لهم: ومن يوافق محمد بن كعب القرظي على هذا التأويل وقد قال مخالفوه: وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما قد أحل لكم من جماعهن في فروجهن؟ . وهذا التأويل عندنا أولى من التأويل الأول؛ لموافقته لما جاء عن رسول الله -عليه السلام- مما قد ذكرنا.

                                                ولئن وجب أن يقلد في هذا القول محمد بن كعب ، فإن [تقليد] سعيد بن المسيب أولى.

                                                حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال: "كان سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ، -أو أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأكبر ظني أنه أبو بكر- ينهيان أن تؤتى [النساء] في دبرها أشد النهي".

                                                وكيف وقد قال بذلك من هو أجل منهما؟! .

                                                [ ص: 461 ] حدثنا أبو بشر الرقي ، قال: ثنا أبو معاوية الضرير ، عن الحجاج ، عن أبي القعقاع الجرمي ، عن عبد الله بن مسعود ، -رضي الله عنه- قال: "محاش النساء حرام". .

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال: حدثني ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو: " ، قال في الذي يأتي امرأته في دبرها، قال: اللوطية الصغرى". .

                                                التالي السابق


                                                ش: احتج أهل المقالة الأولى أيضا لما ذهبوا إليه بما روي عن محمد بن كعب بن سليم القرظي -من التابعين الكبار والصالحين العالمين بالقرآن.

                                                والحديث أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري ، عن عبد الله بن لهيعة فيه مقال، عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ المدني، روى له الجماعة سوى البخاري ، عن محمد بن كعب ... إلى آخره.

                                                وأجاب عنه بقوله: "قيل لهم: ومن يوافق ... " إلى آخره، أراد أنه لم يوافق أحد من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم محمد بن كعب على هذا التأويل الذي أوله في قوله تعالى: أتأتون الذكران من العالمين بل هم قد خالفوه فيه، وأولوا بتأويل أحسن من تأويله، فالأخذ بتأويلهم أولى؛ لموافقة الأحاديث التي جاءت بالنهي عن إتيان النساء في أدبارهن.

                                                قوله: "ولئن وجب أن يقلد .. " إلى آخره. جواب عما يقال: كيف لا يقلد محمد بن كعب فيما ذهب إليه بالتأويل الذي أوله وهو عالم بمعاني القرآن وتأويلاته؟!

                                                فقال: إن وجب تقليد محمد بن كعب في هذا القول فتقليد غيره ممن هو أكبر منه أولى؛ فإن سعيد بن المسيب سيد التابعين قد روي عنه أنه كان ينهى عن إتيان النساء في أدبارهن، أخرج ذلك بإسناد صحيح: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله [ ص: 462 ] بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني أحد الفقهاء السبعة، قيل: إن اسمه محمد، وقيل: اسمه هو كنيته.

                                                وأبو سلمة بن عبد الرحمن اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف المدني .

                                                قوله: "وكيف وقد قال بذلك من هو أجل منهما" أي وكيف لا يقلد سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن -أو أبو سلمة بن عبد الرحمن- والحال أنه قد قال بما قالا من هو أعظم منهما مقدارا كعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب وأبي الدرداء وابن عباس -رضي الله عنه-.

                                                أما الذي روي عن ابن مسعود: فأخرجه عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم ، عن الحجاج بن أرطأة النخعي القاضي فيه لين، عن أبي القعقاع الجرمي ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي الكوفة.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": بأتم منه من حديث ابن علية: أخبرني أبو عبد الله الشقري، حدثني أبو القعقاع قال: "شهدت القادسية وأنا غلام -أو يافع- قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: آتي امرأتي كيف شئت؟ قال: نعم، قال: وحيث شئت؟ قال: نعم، قال: وأنى شئت؟ قال: نعم، ففطن له رجل، فقال: إنه يريد أن يأتيها في تنورتها، فقال: لا، محاش النساء عليكم حرام -أي أدبارهن" وقد ذكرناه.

                                                وأما الذي روي عن عبد الله بن عمرو: فأخرجه عن يزيد بن سنان القزاز ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب العتكي يحيى بن مالك -ويقال: حبيب بن مالك- عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                [ ص: 463 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو قال: "هي اللوطية الصغرى -يعني الإتيان في أدبار النساء".

                                                وأما الذي روي عن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-.

                                                فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": نا ابن نمير ، عن الصلت بن بهرام ، عن عبد الرحمن بن مسعود ، عن أبي المعتمر -أو أبي الجويرية- قال: "نادى علي -رضي الله عنه- على المنبر فقال: سلوني، فقال رجل: أتؤتى النساء في أدبارهن؟ فقال: سفلت سفل الله بك، ألم تر أن الله يقول: أتأتون الفاحشة

                                                وأخرجه البيهقي أيضا.

                                                وأما الذي روي عن أبي الدرداء: فأخرجه ابن أبي شيبة أيضا: نا وكيع ، عن همام ، عن قتادة ، عن عقبة بن وشاح ، عن أبي الدرداء قال: "وهل يفعل ذلك إلا كافر؟".

                                                وأما الذي روي عن ابن عباس فأخرجه البيهقي: من حديث داود بن أبي هند ، عن عكرمة، عن ابن عباس: "أنه كان يعيب النكاح في الدبر عيبا شديدا".




                                                الخدمات العلمية